طلب فتوى
البيعالفتاوىقضايا معاصرة

المتاجرة في الهجرة غير الشرعية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2372)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

هناك أناس في ليبيا، يقومون بتهريب الهجرة غير الشرعية، القادمة بأعداد كبيرة من البلاد الإفريقية، وبعض البلاد العربية إلى إوربا، ودور المهربين أنهم يجهزون لهم القوارب، في أماكن بعيدة عن رقابة مكافحة الهجرة غير الشرعية، مقابل مبلغ من المال عن كل راكب، وتنتهي مسؤوليتهم عنهم بمجرد إقلاع المركب، وكثيرا ما يتعرضون للموت في البحر، ويفقدون حياتهم، بعد أن يكونوا قد فقدوا أموالهم، ودفعوها لهؤلاء المهربين، فهل يجوز شرعا العمل في هذا التهريب، وكسب المال منه؟ وهل يجوز لمن ضاقت بهم سبل العيش في بلادهم أن يقدموا على هذه المغامرة، والهجرة غير الشرعية؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فهذا العمل – كما هو مشاهد – يجمع مفاسد عديدة؛ محرمة شرعا، ضارة ضررًا بالغًا؛ ضررًا خاصًّا بحياة الناس، وضررا عاما بالوطن بأسره.

فالضرر الخاص بحياة الناس في الهجرة غير الشرعية لا يخفى؛ فهو مغامرةٌ ومقامرة بأرواح البشر، واستغلال لحاجتهم وفقرهم وضعفهم، وإغرائهم برحلة كبيرة المخاطر يمنُّونهم فيها – إذا عبروا البحر إلى شواطئ أوروبا – بحياة كريمة، ومستقبل رغيد، ويأخذون منهم مقابل هذا الحلم حصيلة ما جمعوه بكدِّهم وعرقهم، ثم يلقونهم في عرض البحر دون مبالاة، في قوارب مكتظة، فاقدة لأدنى شروط السلامة، لا يهمهم أمرهم، ولا يأبهون بحياتهم، ويتركونهم يواجهون مصيرهم؛ فمن مات مات، ومن عاش عاش، وقد ابتلع البحر الآلاف منهم.

مثل هذا العمل؛ مِن سلب الناس أموالهم، ثم الإلقاء بهم إلى ما يعرضهم للهلاك، هو من تجارة الموت، لا يرضاه مسلم، ولا تُقْدم عليه إلا عصابات الإجرام والقتل والسلب والنهب؛ لأنه من التسبب في القتل والتعاون عليه من أجل المال، قال الله تعالى: )وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ([المائدة:2]، وقال تعالى: )مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا( [المائدة:32]، والمال الذي يأخذه المهربون في هذه التجارة مال حرام؛ لأن عملهم إثم وعدوان، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) [مسند أحمد:2679].

ومن يُقدم على التعامل مع عصابات التهريب، من أفراد الهجرة غير الشرعية، ويسلم نفسه إليهم، هو آثمٌ؛ لأن عمله يعد من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، والله تعالى يقول: )وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنِ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا( [النساء: 29].

وأيضا لما في إقدامه على ذلك من إذلال النفس، وتعريضها للمهانة وإنزال العقوبة، وقد ورد في السنة: (لا يَنبغِي للمسلمِ أن يُذلّ نفسَه، قالوا: وكيفَ يُذل نفسَه؟ قال: يعرضُ نفسَه مِن البلاءِ لما لا يُطيقُ) [الترمذي:2254].

أما ضررُ الهجرة غير الشرعية العام على الوطن؛ فلأنه من السعي في البلاد بالفساد، ومن تعريض أمن الوطن بأسره إلى الخطر، حيث صارت ليبيا محطةَ عبور، تتقاطَرُ عليها الأفواج البشرية، من كل حَدبٍ وصَوب، مِن البلاد الإفريقية وغيرها، دون أي رقابة؛ لا صحيةٍ ولا شرعيةٍ ولا قانونيةٍ ولا أمنية، ويترتبُ على إغفالِ ذلك تحميل البلدِ أعباءً لا أولَ لها ولا آخر؛ اقتصادية وصحية وأمنية، فتنتشر الأمراضُ المعدية، ويزداد العبءُ على الرعاية الصحية، التي تشبه أن تكون مفقودة أساسا للمواطن، وتكثر بسبب تكدسها جرائمُ القتل والسرقة والسطو، ويجدُ أعداء الثورة سُوقًا جاهزة لدعم جبهة حفتر بالمرتزقة، الذينَ هم وقودُ حربِه في جبهات القتالِ، وهذا ضررٌ حقيقي، يجب على الناسِ جميعا أن يتعاونوا على دفعِه ورده، كما أن الهجرة غير الشرعية المنطلقة من ليبيا إلى أوربا، قد تُعرض ليبيا إلى عقوباتٍ من الدول الأوربية، التي لم تعد تتحمّلُ هذه الأعداد الكبيرةَ منهم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

محمد علي عبد القادر

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

22/رجب/1436هـ

11/مايو/2015م

 

 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق