المنتخب من صحيح التفسير – الحلقة (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
المنتخب من صحيح التفسير
الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني.
الحلقة (2)
البسملة:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
يقال: بَسْمَل، إذا قال: بسم الله، وهذا ما يسمى بالنّحت، اختصارًا؛ لأجل التخفيف فيما يتكرر على الألسنة من الألفاظ والجمل، وسُمع منه ألفاظ، منها: سَبْحَلَ، في سبحان الله، وهلّلَ في لا إله إلا الله، وحَوقَلَ في لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يستعملونه في جملة مركبة في بابِ النسب، كما في حضرَميّ، في النسبة إلى حضرموت، وعبشمي، في النسبة إلى عبد شمس.
بسم: الباء للملابسة، ومعناها المصاحبة والإلصاق، كالباء في قوله تعالى عن شجرة الزيتون: (تَنبُت بِالدُّهنِ…)[1]، أي: مصحوبة بالدهن، وحذف ألف (بسم) في الخط من البسملة تخفيفا؛ كما حُذف ألف (الرحمن)؛ لكثرة الاستعمال في التبرك بها، ولِذا لم تُحذف الألف في سورة العلق (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)[2].
الجار والمجرور (بسم) متعلق بفعل، يقدر بحسب العمل الذي يَشرعُ فيه المُبَسمِل، فيقدر في حق من بدأ بها في الكتابة: أَكتُبُ، وفي حق من بدأ بها في الطهارة: أَتوضّأ، وهكذا، وهذا أولى مِن تقدير (أَبدَأ) دائما في كل حالٍ يُبسمل فيه؛ لما فيه حينئذ من قصر التبرك بها على ابتداء ما يَشرع فيه من العمل، وانقطاع مصاحبة التبرك في الأثناء.
والبَسملة تُغنِي عن الاستعاذة في ابتداء القراءة، إن قُدر الفعلُ المحذوف عند النطق بالبسملة (أستعيذ باسم الله).
وقيل فيها: باسم الله، دون أن يقال بالله، كما كان يفعل أهل الجاهلية في قولهم: باللات والعُزى؛ لأن المقصود التبرك والتيمّن، بما يمكن مقارنته للفعل عند الشروع فيه، واسم الله هو الذي تُمكن مقارنتُه للفعل، لا ذاتُه، ولئلَّا تلتبس صورته لو قيل فيه (بالله)، بصورة القسم عند الحلف.
(الرحمن الرحيم) كلّ مِن الرحمن والرحيم اسمانِ مِن أسمائِه تعالى، يدلّان علَى اتصافِه البالغ سبحانه بالرحمة الواسعة، المتعلقة بخلقه، التي وسعت كل شيءٍ، ولم يَحرمْ منها أحدًا مِن عباده، حتى الكافر له من الرحمة نصيب، وهي أكمل للمؤمن المطيع، واتصافُه بها هو على الوجه الذي يليق به، كاتصافِه بكل الصفات الأخرى الثابتة له عز وجل؛ كالعلم والحلم والحكمة والرضى والغضب.
إلا أن العلماء اختلفوا في الفرق بينهما، وفي أيهما أعم وأيهما أخص.
فقيل: الرحمن أخص وأبلغ في معنى الرحمة من الرحيم، لأمرين؛ الأول: لاختصاصه بالله تعالى، فلم يسمَّ أو يوصَف غير الله تعالى بالرحمن، معرّفًا بالألف واللام، قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ)[3]، فسواه بالاسم الذي لم يشاركه فيه غيره، وعندما غالى قوم مسيلمة الكذاب في كفرهم؛ سموا مسيلمة رحمان اليمامة، ولم يسموه (الرحمان) المعرّف، وما أن سمى نفسه بذلك حتى التصق به نعتُ الكذاب؛ فاقترن باسمه ولزمه، ولم يفارقه، وصار جزءًا منه، فلا يُعرف إلا به في الأولين والآخرين، عقوبة له، وتقبيحًا لفعله.
والثاني: أن كثرة المبنَى والحروف في الرحمن تدل على قوة المعنى، فهو الكامل الرحمة، ولأن الرحيم يوصف به كل من اتصف بالرحمة؛ كما قال تعالى في وصف نبيه: (بِالمؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ)[4]، فيكون أعم.
ويرد على هذا أن الأوصاف إذا تعاقبت في الكلام البليغ، الشأنُ أن يتنقل بها من الأعم إلى الأخص، فيقال مثلا: الليبي الطرابلسي، ومن القوي إلى الأقوى، دون العكس، فيقال العالم البحر، والشاعر الفحل، والعكسُ في الترتيب والتنقل يُضعفُ الكلامَ، ويجعل الثاني نافلة، غير محتاج إليه، وأوجه ما قيل في الجواب على هذا بتقديم الأخص، وهو الرحمن هنا؛ أنه لمّا كان خاصا بالله تعالى جرى مجرى الذات، فحَسُن تقديمه على الرحيم، لجَريانه مجرى الصفات، ومعلوم أن الصفة تتبع الذات، وتتأخرُ عنها.
وقد اتفقَ العلماء على أنّ البسملة آيةٌ من القرآن في سورة النمل، كما اتفقوا على أنها ليست قرآنا في أول سورة براءة، واختلفوا فيما عدا ذلك؛ فقال قوم هي آيةٌ من أول كل سورة، وقال الشافعي: هي آية في أول سورة الفاتحة دون غيرها، وقال مالك: ليست بقرآن فيما عدا سورة النمل، وذلك للاختلاف في قرآنيتها، وما هو قرآنٌ لا يقع الاختلاف فيه، لثبوتِه بالتواتر.
وكتابتها في المصحف عند مالك لأمرين؛ للفصلِ بين السور، وللتيمّن بها، يدل للأول وهو الفصل بين السور قولهم: “كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم”[5]، ويدل للثاني؛ وهو التيمّن بها، حديث: (كُلُّ كَلامٍ، أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِسم اللهِ، فَهُوَ أَبْتَرُ ـ أَوْ قَالَ: أَقْطَعُ)[6].
وفي أول الفاتحة هي للتيمّن لا للفصل؛ لأنها بداية المصحف، ولا يَرِدُ على ما قالَه مالك، إجماعُ الأمة على أنّ ما بين دفّتي المصحف قرآنٌ؛ لأنه لا نزاعَ في أن البسملة قرآنٌ في الجملة، والنزاع في تكررِ قرآنيتِها في أولِ كلّ سورة.
وقراءتُها للتبرك في ابتداءِ القراءة متفقٌ عليه؛ لحديث: (كلِّ أمرٍ ذِي بالٍ) المتقدمِ، أما في غيرِ الابتداء، للفصل بين السور، فمِن القراءِ مَن يقرأُها، ومنهم مَن يحذفها؛ لأنّ إثباتَها في المصحف عنده ليست للفصلِ بينَ السور، بدليلِ إثباتِها في أولِ الفاتحة، وهي أولُ المصحف، فلا فصلَ بها مع سورةٍ أخرَى.
بسم الله الرحمن الرحيم
المنتخب من صحيح التفسير
الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني.
– الحلقة (2).
البسملة:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
يقال: بَسْمَل، إذا قال: بسم الله، وهذا ما يسمى بالنّحت، اختصارًا؛ لأجل التخفيف فيما يتكرر على الألسنة من الألفاظ والجمل، وسُمع منه ألفاظ، منها: سَبْحَلَ، في سبحان الله، وهلّلَ في لا إله إلا الله، وحَوقَلَ في لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يستعملونه في جملة مركبة في بابِ النسب، كما في حضرَميّ، في النسبة إلى حضرموت، وعبشمي، في النسبة إلى عبد شمس.
بسم: الباء للملابسة، ومعناها المصاحبة والإلصاق، كالباء في قوله تعالى عن شجرة الزيتون: (تَنبُت بِالدُّهنِ…)[1]، أي: مصحوبة بالدهن، وحذف ألف (بسم) في الخط من البسملة تخفيفا؛ كما حُذف ألف (الرحمن)؛ لكثرة الاستعمال في التبرك بها، ولِذا لم تُحذف الألف في سورة العلق (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)[2].
الجار والمجرور (بسم) متعلق بفعل، يقدر بحسب العمل الذي يَشرعُ فيه المُبَسمِل، فيقدر في حق من بدأ بها في الكتابة: أَكتُبُ، وفي حق من بدأ بها في الطهارة: أَتوضّأ، وهكذا، وهذا أولى مِن تقدير (أَبدَأ) دائما في كل حالٍ يُبسمل فيه؛ لما فيه حينئذ من قصر التبرك بها على ابتداء ما يَشرع فيه من العمل، وانقطاع مصاحبة التبرك في الأثناء.
والبَسملة تُغنِي عن الاستعاذة في ابتداء القراءة، إن قُدر الفعلُ المحذوف عند النطق بالبسملة (أستعيذ باسم الله).
وقيل فيها: باسم الله، دون أن يقال بالله، كما كان يفعل أهل الجاهلية في قولهم: باللات والعُزى؛ لأن المقصود التبرك والتيمّن، بما يمكن مقارنته للفعل عند الشروع فيه، واسم الله هو الذي تُمكن مقارنتُه للفعل، لا ذاتُه، ولئلَّا تلتبس صورته لو قيل فيه (بالله)، بصورة القسم عند الحلف.
(الرحمن الرحيم) كلّ مِن الرحمن والرحيم اسمانِ مِن أسمائِه تعالى، يدلّان علَى اتصافِه البالغ سبحانه بالرحمة الواسعة، المتعلقة بخلقه، التي وسعت كل شيءٍ، ولم يَحرمْ منها أحدًا مِن عباده، حتى الكافر له من الرحمة نصيب، وهي أكمل للمؤمن المطيع، واتصافُه بها هو على الوجه الذي يليق به، كاتصافِه بكل الصفات الأخرى الثابتة له عز وجل؛ كالعلم والحلم والحكمة والرضى والغضب.
إلا أن العلماء اختلفوا في الفرق بينهما، وفي أيهما أعم وأيهما أخص.
فقيل: الرحمن أخص وأبلغ في معنى الرحمة من الرحيم، لأمرين؛ الأول: لاختصاصه بالله تعالى، فلم يسمَّ أو يوصَف غير الله تعالى بالرحمن، معرّفًا بالألف واللام، قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ)[3]، فسواه بالاسم الذي لم يشاركه فيه غيره، وعندما غالى قوم مسيلمة الكذاب في كفرهم؛ سموا مسيلمة رحمان اليمامة، ولم يسموه (الرحمان) المعرّف، وما أن سمى نفسه بذلك حتى التصق به نعتُ الكذاب؛ فاقترن باسمه ولزمه، ولم يفارقه، وصار جزءًا منه، فلا يُعرف إلا به في الأولين والآخرين، عقوبة له، وتقبيحًا لفعله.
والثاني: أن كثرة المبنَى والحروف في الرحمن تدل على قوة المعنى، فهو الكامل الرحمة، ولأن الرحيم يوصف به كل من اتصف بالرحمة؛ كما قال تعالى في وصف نبيه: (بِالمؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ)[4]، فيكون أعم.
ويرد على هذا أن الأوصاف إذا تعاقبت في الكلام البليغ، الشأنُ أن يتنقل بها من الأعم إلى الأخص، فيقال مثلا: الليبي الطرابلسي، ومن القوي إلى الأقوى، دون العكس، فيقال العالم البحر، والشاعر الفحل، والعكسُ في الترتيب والتنقل يُضعفُ الكلامَ، ويجعل الثاني نافلة، غير محتاج إليه، وأوجه ما قيل في الجواب على هذا بتقديم الأخص، وهو الرحمن هنا؛ أنه لمّا كان خاصا بالله تعالى جرى مجرى الذات، فحَسُن تقديمه على الرحيم، لجَريانه مجرى الصفات، ومعلوم أن الصفة تتبع الذات، وتتأخرُ عنها.
وقد اتفقَ العلماء على أنّ البسملة آيةٌ من القرآن في سورة النمل، كما اتفقوا على أنها ليست قرآنا في أول سورة براءة، واختلفوا فيما عدا ذلك؛ فقال قوم هي آيةٌ من أول كل سورة، وقال الشافعي: هي آية في أول سورة الفاتحة دون غيرها، وقال مالك: ليست بقرآن فيما عدا سورة النمل، وذلك للاختلاف في قرآنيتها، وما هو قرآنٌ لا يقع الاختلاف فيه، لثبوتِه بالتواتر.
وكتابتها في المصحف عند مالك لأمرين؛ للفصلِ بين السور، وللتيمّن بها، يدل للأول وهو الفصل بين السور قولهم: “كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم”[5]، ويدل للثاني؛ وهو التيمّن بها، حديث: (كُلُّ كَلامٍ، أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِسم اللهِ، فَهُوَ أَبْتَرُ ـ أَوْ قَالَ: أَقْطَعُ)[6].
وفي أول الفاتحة هي للتيمّن لا للفصل؛ لأنها بداية المصحف، ولا يَرِدُ على ما قالَه مالك، إجماعُ الأمة على أنّ ما بين دفّتي المصحف قرآنٌ؛ لأنه لا نزاعَ في أن البسملة قرآنٌ في الجملة، والنزاع في تكررِ قرآنيتِها في أولِ كلّ سورة.
وقراءتُها للتبرك في ابتداءِ القراءة متفقٌ عليه؛ لحديث: (كلِّ أمرٍ ذِي بالٍ) المتقدمِ، أما في غيرِ الابتداء، للفصل بين السور، فمِن القراءِ مَن يقرأُها، ومنهم مَن يحذفها؛ لأنّ إثباتَها في المصحف عنده ليست للفصلِ بينَ السور، بدليلِ إثباتِها في أولِ الفاتحة، وهي أولُ المصحف، فلا فصلَ بها مع سورةٍ أخرَى.
[1] المؤمنون:20. )
[2] العلق:1. 2
[3] الإسراء:110.[1]
[4] التوبة:128 .4
[5] أبوداود:788 .5
[6] المسند:8510 .6