الهبة في مرض الموت من قبيل الوصية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3705)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفّي والدي، وبعد وفاته بمدّة ذكر بعض الورثة أنّ والدي قبل وفاته – وهو في مرض موته – كان قد أعطى لبعض الورثة نصيبا من التّركة، كلٌّ على انفراده، بلا إشهاد، وحرمَ آخرين، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ هبة المريض في مرض موته تعتبر وصيّة، ولا تجوز الوصيّة لوارث بأيّ شيءٍ، كثر أم قلَّ، إلّا إذا أجاز الورثة ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كلّ ذي حق حقَّه، فلا وصية لوارث) [أبوداود:2870 [.
كما يجوز للرجل قسمة أملاكه على ورثته قبل موته، بشرط أن لا يحرم أحدَ الورثة منها، وأن يحوز كلٌّ نصيبَه قبل وفاة الواهب، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ولا تتمّ هبة، ولا صدقة، ولا حبس، إلا بالحيازة) [الرسالة:117[، وذلك مع مراعاةِ العدلِ في القسمة بما يوافق شرع الله تعالى.
ولا يجوز للمورّث أن يوصي بحرمان وارثٍ من ميراثه، لأيّ سببٍ كان، ولو كان عاقًّا أو عدوًّا، فقد تولّى الله تبارك وتعالى قسمة التّركات، ولم يكِلْها لأحدٍ من العالمين، قال تبارك وتعالى بعد بيان المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَّعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُّدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء:13،14]، والوصيّة بحرمان وارث باطلة، ولا يعمل بها؛ لأنّها تصادم الأدلّة الشّرعية؛ قال الله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) [النساء:7]، والميراث يدخلُ جبرًا في ملك الوارث، لا يحتاجُ إلى إذنِ أحدٍ، ومن الرحمة بالموصي عدم تنفيذ وصيته بالحرمان، ومَن أنفذها فهو آثم متعدٍّ، تلزمه التوبة، وإعطاء المحروم نصيبه من الميراث.
وعليه؛ فإنّ هذه الهبة غير نافذة شرعًا في حقّ الورثة؛ لسببين: الأولُ وقوعها في مرض الموت، والثّاني عدم حيازتها حتى موت الواهب، قال العدويّ: “وَأَمَّا الوصية في حَالِ مَرَضِهِ الْمَخُوفِ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثِ، وَمِثْلُ ذلك لو وَقَعَتْ في حَالِ صِحَّتِهِ، وَتَأَخَّرَ حَوْزُهَا حتى مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ”[حاشية العدوي:2/339[، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09/ربيع الآخر/1440هـ
16/12/2018م