بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4166)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أوصى (س) لابنة أخ طليقته، وسماها (ابنتي بالتبني)، بثلث أملاكه من عقارات ومنقولات وأموال، كما أنه وهب لها كافة الموجودات التي بمكتبه، من منقولات وأدوات وكتب ومجلات وملفات، بما فيها ملفات القضايا وما يستحق عنها من أتعاب، ووهب لها حق الانتفاع بالمكتب المذكور حال حياتها، أو إلى أن تتوقف عن الانتفاع به، ثم ينتقل وقفًا على مسجدين هما: “القصيبة (التياني)، وأبوشكيوة (القلعي)”، فما حكم هذه الوصية والهبة، علما بأن الموهوب لها لم تحز شيئا حتى مات الواهب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الوصية لغير وارث صحيحة في حدود الثلث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِى أَعْمَالِكُمْ) [ابن ماجه: 2813]، والمكفول لا يرث من تركة مَن كفله شيئًا، فهو غير وارث، فتصح للبنت المذكورة الوصية بالثلث، أما هبة المنقولات والأدوات والكتب والمجلات والملفات التي بالمكتب، فمن شرط تمامها الحوزُ قبل وفاة الواهب، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، وكذلك الأمر في هبة الانتفاع بالمكتب؛ لأنها من قبيل العمرى، فقد نقل المواق رحمه الله عن الباجي رحمه الله قوله: “صَيغَةُ العُمْرَى مَا دَلَّ عَلَى هِبَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَأَسْكَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وَوَهَبْتُكَ سُكْنَاهَا عُمْرَكَ”] التاج والإكليل: 6/61[، وقال الزرقاني رحمه الله: “وَهِيَ فِي الْحَوْزِ كَالْهِبَةِ” ]شرح خليل:7/187.[
وأما هبة ما يستحق عن القضايا من أتعابٍ، فهو من قبيل هبة الدَّين لغير من هو عليه، ويشترط لصحته الإشهادُ على الهبة اتفاقًا، وتسليمُ وثيقة الدين للموهوب له، ومقابلته بالمدين، قال الدردير رحمه الله: “(وَإِلَّا) يَهَبْهُ لِمَنْ عَلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ (فَكَالرَّهْنِ) أَيْ فَكَرَهْنِ الدَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْإِشْهَادُ وَكَذَا دَفْعُ ذِكْرِ الْحَقِّ أَيْ الْوَثِيقَةِ …” [الشرح الكبير:99:4].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فالوصية صحيحة، ما دامت في ثلث أملاك الموصي، وعلى ورثته تنفيذ الوصية، وإخراج الثلث من كامل أملاكه، قبل اقتسام التركة، كما قال الله في قسمة الميراث: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء:12]، ولا يجوز تأخير الوصية أو تبديلها، وفاعل ذلك مستحقٌّ للإثم والعقاب، كما قال الله عز وجل: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:181]، وإن لم تنفذ الوصية يوم قسمة التركة، وجبَ إخراجها للموصَى له الآن، وإبراء ذمة الورثة منها.
أما هبة المكتب المذكور، والمنقولات والأدوات والكتب والمجلات والملفات التي بداخله، فهبة غير صحيحة؛ لعدم توفر شرط الحوز قبل وفاة الواهب، فتكون ميراثًا، ويتوقف جعل المكتب (بمعنى المبنى) وقفًا على المسجدين المذكورين على إجازة الورثة؛ لأنه آلَ إلى أنْ صارَ وصيةً زائدةً عن الثلث الذي بتّله.
وأما المستحقّ عن القضايا من أتعاب، فإن توفرت الشروط المذكورة لصحة هبة الدين، فإنه يكون ملكًا لها، أما إنْ لم تتوفر الشروطُ فهو ميراثٌ، يقسم حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم سليم الشوماني
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
05// شعبان// 1441هـ
30// 03// 2020م