طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

بناء مركز علمي على أرض مقبرة مهجورة

الاستفادة من أرض مقبرة دارسة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4061)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

قطعة أرض مساحتها 200م كانت مقبرة منذ عشرات السنين، ولكنها الآن خالية، وأصبحت مستقرا للأوساخ والنباتات الضارة، فقامت الجهات المختصة بتنظيفها، بناء على طلب سكان المنطقة، ثم بقيت الأرض دون أن يستفيد منها أحد، ويرغب الأهالي في الاستفادة منها ببناء مركز للتحفيظ ودراسة السنة خاص بالنساء، فهل يجوز بناء المركز على بقايا المقبرة؟ علما بأنها لا تحمل صفة المقابر ولا شكلها، ولم يدفن فيها أحد منذ عشرات السنين.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالأصل أن لا يُتصرف في المقبرة بأيّ نوعٍ من أنواع التصرّف؛ لأن القبر حبس على صاحبه ما دامَ فيه، ويحرم نبشه، مادام به شيءٌ من عظامِه غير عَجْب الذَنَب، قال ابن الحاج: “… وذلكَ أنّ العلماءَ رحمة الله عليهم قد اتفَقوا علَى أَنّ الْمَوْضعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِن عِظَامهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ” [المدخل:2/18]، وقال الدردير: “(وَلَا يُنْبَشُ) أَيْ يَحْرُمُ (مَادَامَ) الْمَيِّتُ أَيْ مُدَّةَ ظَنِّ دَوَامِ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِهِ غَيْرَ عَجْبِ الذَّنَبِ (بِهِ)”[الشرح الكبير على مختصر خليل:1/428]، ولأن فيه إيذاءً للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَسْرُ عَظْمِ المَيّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [أبوداود:3207]، إلا إذا تبينَ أنّ العظامَ قد بليت تمامًا في هذه المقبرة، وصارت رميمًا، فإنّه يجوز لكم حينئذ ردمُ هذه المقبرة والدفنُ فيها من جديدٍ، أو غير ذلك، مما يخدمُ المصلحةَ العامة، أخذًا بمذهبِ جمهور الفقهاء؛ قال ابن عابدين الحنفي: “وَقَالَ الزَّيْلَعِي: وَلَوْ بَلِيَ المَيِّتُ وَصَارَ تُرابًا، جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ، وَزَرْعُهُ، وَالبِنَاءُ عَلَيْهِ” [رد المحتار على الدر المختار:2/233]، وقال النووي الشافعي: “يَجُوزُ نَبْشُ القَبْرِ إِذَا بَلِيَ المَيتُ وَصَارَ تُرَابًا، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الأَرْضِ، وَبِنَاؤُهَا، وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتّفَاقِ الأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَتْ عَارِيةً رَجَعَ فِيهَا المعيرُ، وَهَذَا كُلّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلمَيّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيَرْهِ” [المجموع شرح المهذب:5/303]، وقال الحجاوي الحنبلي: “وَإِذَا صَارَ رَمِيمًا جَازَتِ الزِّرَاعَةُ وَحَرْثُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالمُرَادُ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ وَاقِفٍ؛ لِتَعْيِينِهِ الجِهَةَ” [الإقناع:1/235].

عليه؛ فإذا تحققتم مِن فناء عظام الموتى، وأنها صارت ترابًا، واستعنتم في ذلك بأهل الخبرة والمعرفة، جاز لكم استغلال الأرض فيما فيه مصلحة عامّة، نحو المركز المذكور في السؤال، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

11// ربيع الآخر// 1441 هـ

08// 12// 2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق