بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3260)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا (ع)، أنتفع بقطعة أرض كائنة بمحلة الساحل بسوق الجمعة، موقوفة على زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر بزليتن، وطبيعة انتفاعي بالأرض المذكورة هو التوسع – بحسب نص الوثيقة – وذلك منذ سنواتٍ طويلةٍ، وملتزمٌ بسدادِ قيمة الانتفاع بانتظام، ونظرًا لتغير الظروفِ المتعلقة بطبيعة الانتفاعِ بأراضي الفضاء، وكذلك تفاوت قيمة الإيجار مقارنةً بقيمة الأرض السوقية، وارتيابي من بعضِ التحركات فيها في المدّة الأخيرةِ، وخوفي أن تصبحَ الأرضُ مرتعًا لتسويق بعض المحرّمات، كالحشيش وغيره، عقدتُ العزم على تغييرِ طريقة الانتفاعِ بقطعة الأرض المذكورةِ، بما يحقق مصلحتين:
الأولى: توسيع دائرة المنتفعين بها.
والثانية: رفع قيمة الانتفاع بها لصالح زاوية الشيخِ.
ورأيت إقامةَ مغسلة أمواتٍ متكاملةِ المرافق، وتكون مجانًا لعامة المسلمين، ونفقات إنشائها وإدارتها تكونُ من خلالِ تبرعات المحسنين وأهلِ الخير، مع تخصيصِ نسبة من التبرعات لزاوية الشيخ عبد السلام الأسمر، مقابل الانتفاع بقطعة الأرض العائدة إليها، وعليه؛ فالسؤال يتلخص في الآتي:
ما حكم الشرع في تغيير الانتفاع بقطعة الأرض الموقوفة، مِن توسعٍ إلى بناءِ مبنًى عليها لتغسيل الأموات؟
وما حكم توطين مغسلة أمواتٍ في حيٍّ سكني، مع اعتراضِ بعض المجاورين للمغسلةِ، بدعوى أنها لتغسيلِ الأموات وحفظِ الجثث، وكثرة حركة المراجعين والسيارات؟ وما حكم خصم قيمة البناء من الأجرة المستحقةِ لزاوية الشيخ عبد السلام الأسمر؟
وما الحكم لو قصرت التبرعات عن نفقات المغسلة، وكذلك عن الأجرة المستحقة للزاوية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصلُ اتباع شرطِ الواقفِ في الأرض المحبسة، ولا يجوزُ لمن يستعملها – بالإيجار أو غيره – التصرف فيها بتبديلٍ أو تغييرٍ، أو زيادةٍ أو نقصانٍ، إلّا بإذنِ ناظرِ الوقف، بما يراه يحققُ مصلحةَ الحبس، قال الله تعالى: (فَمَنم بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) [البقرة:181]، فإنْ حبسها الواقفُ على أمرٍ فلا يجوزُ تبديلُه، ما لم يكن شرطُ الواقفِ يخالفُ الشرع، قال المواق رحمه الله: “(واتبع شرطه إن جاز)، قال ابن الحاجب: “مهما شرطَ الواقف ما يجوز له اتبع؛ كتخصيص مدرسة أو رباطٍ أو أصحابِ مذهب بعينه” [التاج والإكليل:649/7].
وبناءُ مغسلةٍ للأمواتِ في أرض الوقفِ، إتلافٌ لمالِ الوقفِ فيما لا فائدة منهُ، ولا حاجةَ للناس إليه، فإنَّ الناسَ تعوّدوا أن يغسلوا أمواتَهم في البيوت.
فإنْ كانت الأرض تصلح لاستثمار تجاريٍّ، فعلى ناظرِ الوقف أن يعدَّها لذلك، بحيثُ يحققُ الوقفُ أهدافَه في صالح الأمَّة، ويؤديَ الدورَ الذي كانَ يضطلع به في تاريخ المسلمين.
وعليه؛ فلا ينبغي بناء هذه المغسلة في أراضي الوقف؛ لأن الأرضَ لم تحبس لذلك، ولا ضرورة له، ولأنّه مِن صرفِ الوقفِ فيما لا فائدةَ منه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
13/رجب/1438هـ
11/أبريل/2017م