(بيانُ مجلسِ البحوثِ والدراساتِ الشرعية التابع لدار الإفتاءِ بشأنِ الشكاوى الواردة من المُلاك حول مشروع الاكتفاءِ الذاتيّ)
(بيانُ مجلسِ البحوثِ والدراساتِ الشرعية التابع لدار الإفتاءِ بشأنِ الشكاوى الواردة من المُلاك حول مشروع الاكتفاءِ الذاتيّ)
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
وبعد:
فقدْ بلغَ مجلسَ البحوثِ أنَّ وزارةَ الزراعةِ بحكومةِ الوحدةِ الوطنيةِ، تسعَى بخُطًى متسارعَةٍ إلى إرجاعِ ما يسمَّى بمشاريعِ الاكتفاءِ الذاتيّ – التي كانت قائمةً على غصـ،ـبِ أملاكِ الناسِ – بنفسِ وضعِها السابقِ؛ دونَ مراعاةٍ لحقِّ المُلاكِ، الذينَ غُصـ،ـبت منهم هذه الأراضي ظلمًا وعدوانًا، في عهدِ النظامِ السابقِ.
وما شجَّعَ على هذا الأمرِ الخطير: أنَّ هذه الأراضيَ المغصوبةَ لم يتمَّ تسويةُ وضعِها القانوني بعد ثورةِ فبراير، وما زالتْ مقيدةً بأسماءِ الغاصـ،ـبين، وإنْ كانَ كثيرٌ من الغاصـ،ـبينَ سلَّموا هذه الأراضيَ لأصحابها في الواقعِ أو تصالحُوا معهم؛ لكنَّ بعضَهم الآن رجعَ إلى المطالبةِ بما غصَـ،ـبَه؛ بتشجيعٍ ودعمٍ من وزارةِ الزراعة؛ بل إنَّ بعضَ الغاصبين رفضَ تمكينَ وزارةِ الزراعةِ له خوفًا من إثمِ الغصبِ، فأخبروهُ أنهم سيعطونَ الأرضَ لغيره، إذا هو لم يرغبْ في أخذها؛ لأنَّ هناكَ مَن ينتظرُ دورَه في هذه المشاريعِ، وهذا تمَادٍ في الظلمِ والغصـ،ـبِ.
وقد رفعَ بعضُ الغاصبينَ دعاوَى قضائيةً لتمكينِه مما غصبهُ، وتحصّلَ على حكمٍ بالتمكين!
إنّ مجلس البحوثِ أمام هذه المعطياتِ، ليؤكِّد غايةَ التأكيدِ أنَّ الغصــبَ حرامٌ وظلمٌ وتعدٍّ، سواء صدرَ من فردٍ أو مِن دولةٍ، وأنه لا يَنقلُ المِلكَ ولا يبيحُه؛ بل هو حقٌّ خالصٌ للمغصـ،ـوبِ منه، وقد وردَ التحذيرُ الشديدُ من الغصب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين) متفق عليه
، بل أجمعَ العلماءُ على تحريمِ الصلاة في الأرضِ المغصوبة.
وإنَّ هذا الإثمَ يشتركُ فيه كلُّ من غَصب أو أعانَ، أو استطاعَ أن يرفعَ الغصــبَ فلم يفعلْ؛ لأنَّ الدوامَ كالابتداء.
لذا؛ فالواجبُ على الحكومة أن تُوليَ هذا الأمرَ عنايةً بالغةً؛ اتباعًا لأمر الله، ودفعًا للتنازع والتخاصمِ بين الناس، وذلكَ بمتابعة وزارةِ العدل؛ لتسويةِ الوضع القانونيّ لهذه الأملاكِ المغصـ،ـوبة؛ حتى لا يكونَ القضاءُ عونًا للغاصبينَ، ويدًا على المظلومينَ، وذلك في أقربِ وقتٍ، وأن تخاطبَ وزارةَ الزراعة بوقفِ هذه المشاريعِ والتقديمِ فيها، إلى حينِ النظرِ في الأراضي التي أقيمتْ عليها هذه المشاريعُ؛ فالمغصـ،ـوبةُ منها تردُّ إلى أصحابها، والمملوكةُ للدولةِ لها أن تعطيَها بواسطةِ عقودِ انتفاعٍ لمن يستصلِحُها ويقومُ عليها.
وصلَّى اللهُ وسلم على نبينا وسيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين.
