(بيانُ مجلسِ البحوثِ والدراساتِ الشرعيةِ بدارِ الإفتاء الليبيةِ، بشأنِ وجودِ القواتِ الروسية على الأراضي الليبية)
(بيانُ مجلسِ البحوثِ والدراساتِ الشرعيةِ بدارِ الإفتاء الليبيةِ، بشأنِ وجودِ القواتِ الروسية على الأراضي الليبية)
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوانَ إلَّا على الظالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسوله الكريمِ، وعلى آله وأصحابه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ:
فقدْ تابعَ مجلس البحوث والدراساتِ الشرعية بدار الإفتاء الليبيةِ، تطوراتِ التدخلِ الروسيّ في ليبيا، ومِن ذلك وصولُ قواتٍ وأسلحةٍ روسية، تمهيداً لدخولِ ما سُمّي بفيلقِ إفريقيا إلى ليبيَا، ودولٍ أخرَى مجاورة.
وإزاءَ هذه التطوراتِ الخطيرة، فإنَّ مجلسَ البحوثِ والدراساتِ الشرعيةِ يؤكدُ على الآتي:
أولًا: إنَّ هذا الوجودَ الروسيَّ المسلحَ على الأرضِ الليبيةِ – المتمثلَ في الفيلَقِ المذكورِ – يُعدُّ احتلالًا، وغزواً للبلادِ مِن دولةٍ كافرةٍ معتديةٍ، ما زالتْ دماءُ أهلِ طرابلسَ شاهدةً على ما ارتكبُوه مِن قتل الآلافِ مِن الليبيينَ عام 2019، وعلى جرائمِهم بتلغيمِ البيوتِ ومحتوياتِها، حتَّى ألعاب الأطفالِ، التي ذهبَ ضحيتَها الأعدادُ الكبيرةُ منهم.
ثانياً: إنّ الجهادَ ضدَّ هذهِ القواتِ الغازية المعتديةِ، واجبٌ شرعاً على أهلِ ليبيا، وبخاصةٍ كتائب فبراير، التي وقفتْ في وجهِهِم في الماضِي، وكبدتْهُمُ الهزائمَ المنكرَة، وعلى كلِّ مَن يملكُ المالَ أو السلاحَ أو القرارَ، أنْ يعينَهم على ذلكَ؛ لإخراجِ العدوّ المحتلّ، وإخراجِ مَن أتَى به، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلَا دِفَاعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ ٱللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ} [الحج 39 – 40]، وقال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ} [التوبة 123].
ثالثًا: يجبُ التنبهُ والتحذيرُ مِن أنَّ وجوبَ هذا الجهادِ الدفاعيِّ ضدَّ القواتِ الروسيةِ، لا يعنِي الوقوعَ تحتَ سيطرةِ محتلٍّ آخرَ، سواء كانَ أمريكَا أو الاتحادَ الأوربيَّ أو غيرَهم من الدول، فإنَّ جهادَ المحتلين لا يجوزُ أن يكونَ تبديلَ محتلٍّ بمحتلٍّ آخر، واستنكار دولِ الغربِ وعلى رأسهم أمريكا للوجودِ الروسيِّ، والتظاهرُ بالتعاونِ مع الليبيينَ على مقاومتهِ، هو كاذبٌ، يجبُ ألَّا ننخدعَ به، فإنه مجردُ تبادلِ أدوارِ، فالكفرُ ملةٌ واحدةٌ، وأطماعُهم في بلادنا واحدةٌ، وقد رأينا ما فعلوهُ ببلاد عربيةٍ أخرى في سوريا وغيرِها، وفيما يتعلقُ بدعمِهمُ المباشرِ للعدوِّ الصهيونيّ في فلسطين.
رأيناهم في سوريا يتظاهرونَ بالخلافِ، ولكنه خلافٌ في الوسائلِ، وأهدافُهم التي انتهوا إليها في تدميرِها واحدةٌ.
لم يخرجوا منها إلَّا بعد أن تأكدَ لهم أنها صارتْ دولةً فاشلةً، ميؤوساً منها، ولن تقومَ لها قائمةٌ، وبعد أن مكَّنُوا لعميلٍ لهم فيها، يقومُ بما يريدونهُ من تدميرِ كلِّ ما بقيَ مِن معالمِ الدّين، وإرادةِ الحياةِ الحرةِ الكريمةِ.
رابعًا: يجبُ شرعاً عند احتلال الكفرةِ لبلادِ المسلمينَ، والقيامِ بواجبِ الجهادِ في مقاومتهمْ، أنْ تضبَطَ مسألةُ الاستعانةِ عليهم بالمسلمينَ أو بغيرِهِم بضوابطِها الشرعيةِ، وعلى رأسِها أنْ تكونَ الكلمةُ النافذةُ والقرارُ لأصحابِ الأرضِ، المقاومِينَ لهم، لا للواقعينَ تحت نفوذِهم، أو المتعاونينَ معهم، ولا لمَن أتَى بهم ومكَّنَهم من بلادِنا، كما هو الحالُ في الاحتلالِ الروسيّ، الذي استقوَى به علينَا مَن تحالف معهم، ومكَّنَ لهم مِن احتلالِنا.
حفظَ اللهُ ليبيا وسائر بلاد المسلمين، من شرِّ الأعداءِ الظاهرينَ والمستترينَ.
وصلَّى اللهُ وسلم على نبينا وسيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين.
مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء
الثلاثاء: 06 ذو القعدة 1445 هـــ
الموافق: 14-05-2024 م