(بيانُ مجلسِ البحوث والدراسات الشرعية بدار الافتاء بشأنِ الخطةِ الأمريكية لتصفيةِ القضيةِ الفلسطينية)
(بيانُ مجلسِ البحوث والدراسات الشرعية بدار الافتاء بشأنِ الخطةِ الأمريكية لتصفيةِ القضيةِ الفلسطينية)
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرّحِيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118]
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوانَ إلّا على الظالمين، والصلاةُ والسلام على إمامِ المرسلين، وقائدِ الغرِّ المحجَّلين، أما بعدُ:
فلا يزالُ الصيالُ والعدوانُ من اليهود على غزةَ وفلسطين وديار المسلمينَ متواصِلًا، في استخفافٍ بالغٍ بخيرِ أمةٍ أُخرجَت للناس.
وذلكَ كلّه بدعمٍ صريحٍ ومشاركةٍ علنيةٍ مِن رئيسِ الأمريكان.
ومِن آخرِ وجوه هذا الدعم تلكَ الخطةُ الماكرة، التي يريدُ رئيس الأمريكان من خلالها أن ينتزعَ مِن المقاومة صمودَها، وقيامَها بما أمرَها الله به، من الدفاعِ عن بلادِ المسلمين ومقدساتِهم.
فقد أعطتِ الخطةُ للكيانِ الصهيوني كلَّ ما يريدُه، ومنعتِ الفلسطينيينَ مِن كاملِ حقوقِهم، ضمنَ صفقة القرنِ وخطةِ الشرقِ الأوسطِ الجديدِ، القائمةِ على نشرِ الإلحادِ والكفرِ، فيما يسمَّى الديانَةَ الإبراهيميّة.
فقدْ نصَّتِ الخطةُ على أن تسلِّمَ المقاومةُ سلاحَها، وتخرُجَ من المشهدِ، وتسلّمَ الرهائنَ كلَّهم، وتُحْكَمَ غَزةُ من قِبل هيئةٍ محتلةٍ جديدة، يرأسُها ويتولَّى إدارتَها أعداءُ الفلسطينيينَ، ومَن هم شركاءُ في جرائِم التجويعِ والتدميرِ، وقتلِ كلِّ مظاهرِ الحياةِ في غزة.
ولزيادةِ الضغطِ على المقاومةِ وتخويفِها وترهيبها، لوَّحتِ الخطةُ بأن دولَ العالم – بما فيهم الحكوماتُ العربيةُ والإسلامية – كلّها باركتْها ووافقَتْ عليها، وهدَّدتْ بأنَّ حماسَ إنْ لم تقبَلْها، ستكونُ في وضعٍ حزينٍ للغايةِ.
وإزاءَ ذلكَ كلّه؛ يعلنُ مجلسُ البحوث والدراسات الشرعية بدارِ الإفتاء الليبيةِ الآتي:
أوّلًا: كلُّ ما أعطتهُ الخطةُ للصهاينةِ مقطوعٌ به مؤكدٌ محددٌ بالوقت والزمان، وما جعلته للفلسطينيين مجردُ أوهامٍ وألاعيبَ ووعود، سمعناها مرارًا وتكرارًا، خالية مِن أيِّ ضمانٍ أو تحديدٍ بزمان، كالوعودِ بإدخال المساعداتِ، التي لا حقيقةَ لها إلى حدِّ الآن.
ثانيًا: وقفُ الحربِ الذي وعدتْ به الخطةُ هو أيضًا مِن الوعودِ التي لن تتحقّق، لأنَّ وضع القطاعِ تحت قواتٍ دوليةٍ مع وجود القواتِ الصهيونية، فيما يسمَّى بالانسحاب التدريجيّ، معناهُ استمرارُ الاحتلال واستمرارُ الحرب، فالقواتُ الدولية في لبنان منذ عام 2006، والأراضي اللبنانيةُ مستباحةٌ من اليهود جوًّا وبرًّا، ولا يمرُّ يومٌ إلا وحرُماتُ اللبنانيينَ تُنتهكُ، ودماؤُهم تَسيل.
ثالثًا: لم يَعرفِ المسلمونَ في تاريخهم الطويلِ، ولا في مفردَاتِ فقههم في أبوابِ الجهادِ؛ شيئًا اسمهُ تسليمُ المجاهدين سلاحَهم، مهما ضعُفت قوتُهم وانكسرتْ دولتُهم؛ لأنّه تهلُكة، ليسَ لأحدٍ أن يقبل به، بما فيهم المجاهدونَ، مهما نالَ منهم العدوّ، فتسليمُ السلاح للعدو خيانةٌ لا يرضاهَا مسلمٌ، قال تعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً)[النساء:102].
رابعًا: بناء عليه؛ لا يحلّ إقرارُ هذه الخطة من المسلمينَ ولا مِن حكامِهم، لأنَّها من ولايةِ الكافرينَ على المسلمينَ، والولايةُ من نواقضِ الإيمان، فاللهُ تعالى يقول: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ)[المائدة:81].
خامسًا: يجبُ على العلماء والدعاة والإعلاميين وغيرهم، أنْ يرفضُوا هذه الخطةَ، ويحذرُوا منها؛ نصرةً للحقِّ، وسكوتُهم عن البيان في وقتِ الحاجة تخلٍّ عن المجاهدينَ، قال الله تعالى: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)[آل عمران:187].
نصرَ اللهُ المجاهدينَ وثبتَ أقدامَهم، وكسرَ شوكةَ اليهودِ المعتدينَ، وفضحَ المنافقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية.
السبت 11 ربيع الآخر 1447 هـ
الموافق 04-10-2025 م