طلب فتوى
2025البياناتبيانات مجلس البحوث الشرعيةصادر الدار

(بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية حول تجاوزات البعثة الأممية وتجاهلها للانتخابات ومشروع الدستور)

 

(بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية حول تجاوزات البعثة الأممية وتجاهلها للانتخابات ومشروع الدستور)

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف المرسلين، سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، يتابع ما تقوم به البعثة الأممية في ليبيا، من تجاوزات وتدخلات سافرة في الشأن الليبيّ، تنافي قواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية، وتناقض جوهر المهمة التي جاءتِ البعثةُ الأممية من أجلها، من العمل على الاستقرار وفرض القانون.

من تلك التجاوزات: إعراضُ البعثة عمّا قررته الهيئة الوطنية لصياغة الدستورِ، حيث رفضت دعم المسار الدستوريّ الصحيح، واعترضت على الاستفتاء على مشروعِ الدستور، وسمحتْ لنفسها بالتعرض لمسائل السيادةِ، وكيفية وضعِ نظام الحكم في ليبيا، وبدأت بوضع منهجياتٍ انتقائيةٍ استثنائيةٍ، لا تخضع لأي رقابة ليبية؛ سياسيةٍ أو قضائية.

وإنّ هذا السلوك من البعثةِ يفوِّتُ على الشعب الليبي فرصةَ الخروج من الأزمةِ ويعمقُها، ويعيده إلى منظومة الجبر والطغيان؛ خدمةً لمصالح الدول الكبرى، المتدخلةِ في الشأن الليبي مِن خلال سفرائِها ومبعوثيها، ومن خلال ما يُفرض عليها في بياناتِ وقراراتِ مجلسِ الأمن، ممّا فيه تلاعبٌ بمصير ليبيا، واعتداءٌ على سيادتها، وتحكمٌ في قرارها؛ مَا أدَّى إلى احتلالِ أراضيها مِن جيوش الدول الكبرى ومخابراتِها وعساكرِها.

‏وإنَّ مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، انطلاقًا من واجبه الشرعيِّ والقانونيّ، الذي يهدف إلى تحقيقِ العدالة والاستقرار في ليبيا؛ ليلفتُ إلى الملاحظات الآتية:

أولًا: إنَّ السماحَ بالتدخلات السافرة غير الدستوريةِ، وغيرِ الموافقة لقانون الدولة، من خلال تجولِ المبعوثة الأممية في المدن والقرى الليبية؛ هو تعدٍّ على السيادةِ، وتدخلٌ مِن البعثة في الشؤون الداخلية، لا حقَّ لها فيه، ولا يتفقُ مع طبيعة العمل المسندِ إلى البعثةِ، الذي جاءتْ من أجله.

ثانيًا: على جميع الليبيينَ بمختلفِ اتجاهاتِهم، أن يتنبهوا إلى مخاطرِ تدخل البعثةِ في الشؤون الداخلية، وألَّا يسمحُوا لها بصياغة قواعدِ الحكم في ليبيا، من خلالِ انتقائها عددًا ممّن تجعلُهم يمثلون الشعب الليبيَّ، دونَ أيِّ معيارٍ دستوري أو قانوني؛ لتسندَ إلى من اختارتهم على عينها، وانتقتهم حسبَ مقاسِها، تقريرَ مصير ليبيا، مع إعراضِها المتعمّدِ عن المسار الصحيح، وهو العمل على الاستفتاءِ على الوثيقة الدستوريةِ، التي وضعتْها لجنة الستين، المنتخبةُ من الشعب الليبي بأكملهِ، منذُ أكثر من سبعِ سنوات.

ثالثًا: على الليبيينَ أن يتخذُوا المواقفَ الجازمَةَ والحاسمةَ، تجاهَ هذه التدخلاتِ السافرةِ، ومِن أهم هذه المواقف: التظاهرُ المتكرّرُ في الميادينِ بأعدادٍ كبيرة، تعبيرًا عن رفضِ هذا العبثِ الذي تمارسُه البعثة، وهذا التظاهرُ بالأعدادِ الكبيرة، الذي قد يغفلُ عنه كثيرٌ من الناس، له تأثيرٌ بالغٌ في الرأي العامِّ المحليّ والدوليّ، الذي تتحركُ من خلاله البعثةُ الأممية.

رابعًا: أثبتتِ التجاربُ من خلال دور بعثة الأمم المتحدة في بلادنا وفي بلدانٍ أخرى، أنَّ تجاوزَ البعثة لمهامها على النحو السابقِ، لم يخلِّفْ إلَّا مزيدًا مِن التشرذمِ والفوضَى، والحكوماتِ الانتقاليةِ، والحروبِ والانقساماتِ، أو ارتهانِ البلدِ لمشروعٍ خادمٍ لمصالحِ الدولِ الكبرى.

خامسًا: البعثاتُ الأممية كلُّها، بما فيها البعثة الحالية، منذ أن جاءت إلى ليبيا، كانَ المتوقعُ منها بمقتضى الجهةِ التي تمثلها – وهي الأمم المتحدة – أنْ تعملَ على فرض القانونِ، واحترام الأحكامِ القضائية، وتنحازَ إلى ذلك بحزمٍ ووضوحٍ؛ لأن القانونَ وأحكام القضاء هو الذي يمثلُ العدالة، ولا تُتهمُ معه البعثة بالانحياز إلى هذا الطرفِ أو ذاكَ، هذا أمرٌ بدهيٌّ، لا يحتاج في إثباتهِ إلى أدلةٍ ولا مجهودٍ، لكن البعثة – للأسف – بدلًا من ذلك، كلّما خرجتْ جماعةٌ على القانون، أو انقلبوا على اتفاقٍ وتنصلُوا منه، أو هجَّروا الناسَ وحملوا السلاحَ وارتكبوا الجرائمَ، أو زوَّروا الانتخاباتِ وفرضُوا أنفسهم بالقوة، أو أقامُوا سجون التعذيبِ أو المقابر الجماعيةَ؛ بدلًا مِن أن تنددَ بهم وتستنكرَ عليهم، وتدعو إلى احترام القانونِ، تبررُ لهم جرائمهم، تحت شعارِ الأمر الواقع، أي إنّ ليبيا حسَبَ رؤية البعثة الأممية، لا يُتحاكمُ فيها إلى القانونِ، بل إلى المغالبةِ والأمرِ الواقع والتسلّط، وهذا عينُ الاستبدادِ والتحكمِ في مصيرِ الشعوبِ بالظلمِ والقهر،والله غالبٌ على أمرِه ولو كرهَ الكافرونَ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء

الأحد : 2 صفر 1447 هـ

الموافق : 27-07-2025 م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق