بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4316)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤالان التاليان:
السؤال الأول: أنا سائق شاحنة، وكنت أعمل مع بعض التجار في نقل البضائع، ثم توقفتُ، والآن عرضتُ على بعض التجار شراء سيارة؛ لأعمل عليها بنفسي وأقتسم الربح معه، فعرض عليّ أن يشتري السيارة بـستين ألف دينار، ثم يبيعها لي بمائة وعشرين ألف دينار لأجل سنتين، فهل يجوز أن أتفاهم معه على ذلك، أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن كان الحال كما ذكر، فلا تجوز هذه المعاملة، سواء عرض التاجر شراءها لنفسه ووعد ببيعها للسائق، أو عرض على السائق شراءها له ابتداء؛ لأنه من العينة المنهي عنها، قال ابن رشد رحمه الله: “وَالْعِينَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمَحْظُورَةٍ… وَالْمَحْظُورَةُ أَن يُرَاوِضَهُ عَلَى الرِّبْحِ فَيَقُولَ لَهُ: اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا أُرْبِحَكَ فِيهَا كَذَا، وَأْبْتَاعُهَا مِنكَ بِكَذَا؛ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ سِتُّ مَسَائِلَ مُفْتَرِقَةِ الْأَحْكَامِ… (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) وَهْوَ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْداً وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ، فَذَلِكَ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ وَلاَ يَجُوزُ لِأَّنَّهُ أَجَلٌ ازْدَادَ فِي سِلْعَةٍ… (وَأَمَّا الْخَامِسَةُ) وَهْيَ أَن يَقُولَ: اشْتَرِ [لِنَفْسِكَ] سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْداً وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ، فَهْوَ أَيْضاً لاَ يَجُوزُ…؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مُوَاطَأَةِ بَيْعِهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا لِلْمَأْمُورِ، فَدَخَلَهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِندَكَ” [المقدمات الممهدات: 2/56]، والله أعلم.
السؤال الثاني: احتجت للسيولة النقدية، ونظرًا لظروفي المادية التجأت إلى السوق الموازي للعملة الصعبة، فعرض علي أحد التجار شراء خمسين ألف دولار، بالشيك المصدق، بزيادة دينار واحدٍ على سعر السوق الموازي بالنقد، وتم التفاهم قبل إصدار الشيك، وبعد ما اشتريت الدولار بالطريقة المذكورة وبعد يومين بعته لتاجر آخر غير الأول بخسارة خمسين ألف دينار، فهل تجوز هذه المعاملة شرعًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن هذه المعاملة من قبيل الصرف، وشرط صحة الصرف أن يحصل التقابضُ عند العقد دون تأخير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ)، إلى أن قال: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) [مسلم: 2970]، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على ذلك، وحصول القبض في شراء الدولار بالصك يكون باستلام الصك وقت الاتفاق على شراء العملة في المجلس نفسه، كأنْ تم التعاقد داخل المصرف، وتحديدُ السعر، وصدر الصك في الوقت نفسه، أو صدر الصك دون الاتفاق على السعر ويسلم الصك حين الاتفاق في مجلس العقد.
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، وتم الاتفاق على سعر الصرف قبل صدور الصك بيوم أو أكثر فلا يجوز؛ لـتأخر القبض عن الاتفاق، فهو من ربا النَّسَاء، أي: التأخير، ويجب في هذه المعاملة الفاسدة فسخها، بأن يرد الدولار المشترى ويرتجع الصك من البائع، فإن فات الدولار ببيعه والدينار بصرفه ونحو ذلك فالواجب المثل؛ لأن الواجب في المثليات رد المثل، قال ابن رشد الحفيد رحمه الله: “اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْبُيُوعَ الْفَاسِدَةَ إِذَا وَقَعَتْ وَلَمْ تَفُتْ بِإِحْدَاثِ عَقْدٍ فِيهَا أَوْ نَمَاءٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ أَنَّ حُكْمَهَا الرَّدُّ أَعْنِي: أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَالْمُشْتَرِي الْمَثْمُونَ” [بداية المجتهد: 3/ 208]، وعلى الناس الحذر من التعاملات غير المشروعة التي تجرهم للربا، وأن يحتاطوا لأنفسهم ما استطاعوا، فالرزق يستجلب بالطاعة لا بالمعصية ومحاربة الله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَّتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال صلى الله عليه وسلم: (… وَلَا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه) [الترغيب والترهيب: 2631]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
عبد الرحمن حسين قدوع
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//ربيع الآخر//1442هـ
13//12//2020م