بيع المغصوب وضمان الغاصب في كسارة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5280)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
في سنة 1978م وإبان النظام السابق، وما تم من زحف على كافة الأنشطة الاقتصادية في ليبيا، تم الزحفُ على كسارة في وادي الهيرة، تسمى بكسارة ابسيم، من قبل منشأة تسمى مجموعة الشركات الوطنية، ثم قامت هذه المنشأة ببيع الكسارة إلى شركة الاتحاد العربي للمقاولات سنة 1987م، واستمرت شركة الاتحاد العربي للمقاولات في استغلال الكسارة وتطويرها وإضافة معدات ومبانٍ، إلى أن انتهى محجرها، وبقيت الكسارة في حوزة شركة الاتحاد العربي حتى الوقت الحاضر، ولم يتم تعويض صاحبها (م ع) حتى وفاته، علما أن الأرض التي عليها الكسارة ملك لـ(م ع)، بموجب شهادة عقارية، وأن الكسارة حاليا “رابش”، سرقت جميع محتوياتها ومعداتها وسيورها بسبب الحروب التي نشبت في تلك المنطقة، ولم يعد من الممكن إصلاحها، وعليه قررت الشركة بيعها، فتم مخاطبة أكثر من 120 من المختصين بشراء “الرابش”، فتقدم في اليوم المحدد للمزاد – وهو يوم 31/5/2023 – عشرون شخصًا، فبيعت لمن دفع أعلى ثمن، وهو مليون وثلاثون ألف دينار، وقد دفع المشتري المبلغ كاملا للشركة، لكن لم يستلم شيئًا من الكسارة، وورثة المالك يطالبون الشركة بتسليم الكسارةِ، وتعويضٍ عادلٍ عن الفترة من تاريخ استلام شركة الاتحاد العربي للمقاولات لهذه الكسارة من سنة 1987م حتى الآن، فما هو الواجب على الشركة تجاه ورثة المالك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المغصوبَ يدخلُ في ضمان الغاصب أو المشتري منه وهو شركة الاتحاد العربي للمقاولات إن تلف أو ضاع أو استهلك، سواء كان المشتري عالما بالغصب أو لم يكن عالما، فيخير المالك في مطالبة الغاصب أو المشتري منه بقيمة ما تلف أو ضاع أو استهلك، فإن اختار مطالبة المشتري؛ فإن المشتري يرجع على الغاصب بقيمة ما دفعه ثمنًا للمغصوب منه، والأرباح الحاصلة من المغصوب تكون للمشتري إن لم يكن عالمًا بالغصب، أما إن كان عالما فإنه يضمنها للمالك، كما يضمن قيمة المغصوب عند الاستهلاك والضياع، قال الدسوقي رحمه الله: “وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقّ فِي اتِّبَاعِهِ، أَوْ اتِّبَاعِ الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَهِيَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَلَا يَغْرَمُهَا لَا هُوَ وَلَا الْغَاصِبُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ فَلَا غَلَّةَ لَهُ وَيَغْرَمُهَا كَقِيمَةِ الذَّاتِ” [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/ 458].
وما أنفقه المشتري -وهو شركة الاتحاد- على المغصوب من صيانة وتطوير للمعدات، يخصمُ من الأرباح التي يجبُ أن يدفعها للمالك؛ لأن الغُنم بالغرم، وذلك إن كانت الأرباحُ أزيدَ أو مساويةً للمنفَق، فيأخذ المالك الزائدَ، ولا يطالبُ أحدهم الآخر في حالِ التساوي، أما إن كانت نفقات الصيانة والتطوير أزيدَ فليس للمشتري -وهو شركة الاتحاد- الحقّ في المطالبة بالزائد، قال الدردير رحمه الله: “(وَمَا أُنْفِقَ فِي الْغَلَّةِ) يَعْنِي أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ وَمُؤْنَةِ الْعَبْدِ وَكُسْوَتِهِ وَسَقْيِ الْأَرْضِ وَعِلَاجِهَا وَخِدْمَةِ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ يَكُونُ فِي الْغَلَّةِ الَّتِي تَكُونُ لِرَبِّهِ كَأُجْرَةِ الْعَبْدِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْأَرْضِ يُقَاصِصُهُ بِهَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْغَلَّةُ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ الطَّلَبُ بِالزَّائِدِ لِظُلْمِهِ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِرَبِّهِ أَخْذُ مَا زَادَ” [الشرح الكبير: 3/ 449].
وما زاده المشتري من الغاصب من بناء، فإنّ المالك يخير بين أنْ يأخذَ البناء ويدفع قيمته منقوضًا للمشتري، بعد أن يخصم تكلفة الهدم وتسوية الأرض، إن كانَ الشأنُ أنه لا يتولى ذلك بنفسه، أو أن يأمرَ الباني بهدم بنائه وتسوية الأرضِ، وإرجاعها كما كانت، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) خُيِّرَ الْمَالِكُ (فِي بِنَائِهِ) أَيْ بِنَاءِ الْغَاصِبِ عَرْصَةً، أَوْ فِي غَرْسِهِ (فِي أَخْذِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ وَكَذَا الْغَرْسُ (وَدَفْعِ قِيمَةَ نُقْضِهِ) بِضَمِّ النُّونِ بِمَعْنَى مَنْقُوضِهِ أَيْ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْهَدْمِ لَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَجِصٍّ وَجِيرٍ وَحُمْرَةٍ (بَعْدَ سُقُوطٍ) أَيْ إسْقَاطِ أُجْرَةِ (كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا) الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمِهِ أَيْ شَأْنُهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الْهَدْمَ وَتَسْوِيَةَ الْأَرْضِ وَرَدَّهَا لِمَا كَانَتْ قَبْلَ الْغَصْبِ فَيُقَالُ كَمْ يُسَاوِي نَقْضُ هَذَا الْبِنَاءِ لَوْ نُقِضَ؟ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قِيلَ وَمَا أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى الْهَدْمَ، وَالتَّسْوِيَةَ فَإِذَا قِيلَ أَرْبَعَةٌ غَرِمَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ سِتَّةً فَإِذَا كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمِهِ غَرِمَ الْمَالِكُ لَهُ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ، وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ الشِّقَّ الْآخَرَ مِنْ شِقَّيْ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِهَدْمِهِ، أَوْ قَلْعِهِ إنْ كَانَ شَجَرًا وَبِتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ” [الشرح الكبير: 3/ 454].
عليه؛ فالواجب على شركة الاتحاد العربي تسليم الكسارة لورثة المالك (م ع)، فالمالكُ أحق بماله إذا وجد عينه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد عين ماله فهو أحق به) [أبوداود:5333]، ويجب عليها فسخ عقد البيع الذي عقدته مع المزايد، ورد الثمن الذي أودعه في حساب الشركة؛ لأنه بيع لما لا يملك، وتصرف في ملك الغير دون إذن، ويجب عليها ضمانُ قيمة المعدات المسروقة والمستهلكة، إن لم تكن مما أضافته الشركة، أما التعويض عن المدة التي استغلتها شركة الاتحاد العربي، فينظر للأرباح التي حققتها الكسارة، ويخصم منها نفقات التشغيل والصيانة والتطوير وقيمة نقض البناء، إن اختار المالك أخذ البناء، فإن بقي شيءٌ فهو لورثة المالك، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
08//صفر//1445هـ
24//08//2023م