تأجيل وقف التعامل بالربا لماذا؟!!!

الربا بين المؤسسات … والخوف من انهيار الاقتصاد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،

فقد صدر الآن قرار المؤتمر الوطني العام بمنع الربا، وكان هذا بعد عام ونصف من تحرير ليبيا، وبعد شهرين من الدراسة والمراجعة والأخذ والرد، داخل المؤتمر الوطني العام وخارجه، على أن يطبق المنع بين الأفراد من حين صدور القانون.

وأما بين المؤسسات والمصارف، فيبقى التعامل به إلى ما بعد عامين، لإعداد الكوادر المصرفية القادرة على تطبيق القانون، خوفا من أن يؤدي استعجال التحول إلى انهيار النظام المصرفي، والاقتصاد الوطني برمته، حسب قولهم.

والسؤال: هل نحن حقا جادّون في اجتثات نبتة السوء المنغصة لحياتنا، نبتة الربا النّكدة، الماحقة لكل بركة، التي تعرضنا _ مع الإصرار _ لغضب الجبار؟ وهل التخوف الذي أُجِّل من أجله منع الربا بين المؤسسات في محله؟! وهل التأجيل إلى سنتين مدة حقيقية، يتطلبها تطبيق القانون، مدروسة وضرورية، حتى لا يقع المكروه؟ أم أن القائمين على إدارة المؤسسة الربوية ضربوا هذا الأجل، وهم ليسوا في عجلة من أمرهم، وحين يأتي الأجل (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)!.

هناك أنواع من الربا بين المؤسسات، يصعب فهم ارتباط منعها الفوري بانهيار النظام المصرفي، إليك أمثلة عليها:

1 ـ المصارف المحلية لها سيولة فائضة بالمليارات، تودعها لدى المصرف المركزي، بالربا، وتأبى أن تودعها دون فائدة!
فلو منع القانون الصادر أن يؤخذ على هذه الودائع ربا من الآن _ قبل تأهيل الكوادر المؤجل إلى عامين _ هل فعلا سينهار النظام المصرفي في ليبيا؟!!.

2 ـ ديون بالملايين، تطلبها مصارف من مؤسسات قطاع عام تابعة للدولة، صناعية وإنتاجية، كانت قد أفلست بسبب الفساد ونهب المال العام.

وبمقتضى رهن أموال هذه المؤسسات المفلسة للمصارف نظير ديونها، وكذلك رهن كل ما يتجدد لها من أموال في المستقبل، فإن كل مال مستحق لها لدى الآخرين، يذهب تلقائيا بقوة القانون إلى المصرف الدائن، على الرغم من أن هذه المؤسسات المفلسة غير قادرة _ الآن _ حتى على دفع مرتبات موظفيه، أي أنها محتاجة إلى قوت الموظفين، وضرورات حياتهم، وممنوعة من أن تصل إلى شيء من أموالها! انظروا ماذا تقول المؤسسة الربوية للمدين، وهو يطلب استثناء المرتبات للقوت؟!
تقول له: ما يأتيك من سيولة ومستحقات، يدخل حسابنا تلقائيا بقوة القانون، نظير تسديد الدين، لكن الرحمة لم تُنتزع من قلوبنا! فقوت الموظَّفين ومرتباتُهم نُقرضك إياه قرضا آخر بالربا! لأن البنك الربوي لا يعرف تأجيل الدين ـ وإن جاع أهله ـ إلا بالربا، وإلّا يفعل، فيُخشى على النظام المصرفي أن ينهار!! أي ضرورة _ بالله _ تدعو القانون إلى تأجيل منع مثل هذا الاستغلال المُشين، بإكراه الناس على الربا في أقواتهم!! هل ينهار الاقتصاد فعلا لو استمعت المؤسسة الربوية إلى قول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسرَةٍ)، واستثنت من الحجز على أموال المؤسسة المفلسة مرتبات موظفيها لقوت أولادهم!
ما الانهيار والخراب إلا في تأجيل منع مثل هذا الاستغلال السيء لضرورات الناس دون حاجة.

3 ـ مصرف الادخار يعطي قروضا إسكانية بالربا، وقد قُدّم له مشروع حلال بديل عن الإقراض الربوي، يحل مشكلة الإسكان للشباب، وذلك بأن يبني المصرف مساكن، ويبيعها بالتقسيط، هذا المشروع الحلال مطروح للاعتماد منذ أيام القذافي!! وإدارة المصرف أيامها ربما لم تتجرأ حتى على تقديمه بقوة، أو الدفاع عنه، أعيد تقديمه للحكومة الانتقالية السابقة، ومضت الحكومة إلى حال سبيلها، وتركته معروضا، وحُرمت شرف إقراره!
فهل نقر هذا المشروع الآن؟ أم ننتظر عامين لتأهيل الكوادر، حتى لا ينهار النظام المصرفي؟! كان بالإمكان أن يصدر قانون منع الربا عن المؤتمر الوطني العام بأفضل من الصورة المحزنة التي ظهر بها، بأن يقتصر تأجيل التطبيق فيه _ مثلا _ على حالات محدودة، لها ارتباط بأطراف خارجية تدعو الحاجة الملحة إلى التدرج فيها، على أن يكون التأجيل وفق جدول زمني يُطبق بصرامة، تُقدر فيه الضرورة أو الحاجة بقدرها، كما هي القاعدة، بدل هذه البحبحة المُرَفَّهة في الأجل؛ لإعداد الكوادر!
إذا لم توضع آلية محددة الزمن لهذا التحول، محددة المعالم، محددة المسؤوليات، فستنتهي المدة المحددة ولم يتغير شيء! ومن يكون في الإدارة اليوم، قد لا يكون غدا، وسيتنصل الجميع من المسؤولية في نهاية الأمر! والسؤال مرة أخرى: هل نحن جادون حقا في اجتثات نبتة السوء؟!.

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

25 صفر 1434 هـ

الموافق 08 يناير 2013م