تأسيس صندوق للتكافل الاجتماعي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
رقم الفتوى (2686)
السيد/ مدير عام مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالإشارة إلي مراسلتكم بشأنِ قراركم إنشاءَ صندوق تكافل اجتماعي، وطلبكم النظرَ في مدَى صحة عقدِه الذي أرفقتموهُ مع المراسلةِ.
والجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فممّا جاءَ في نظامِ تأسيسِ هذا الصندوق، في المادة (3) المتعلقة بمواردِ الصندوق المالية، المورد الخامس: (ما يخصم من الموظف على سبيل الجزاء وفقا للتشريعات النافذة)، فالذي يظهرُ أن هذا المال من المرتبات نظير الغياب هو باق على ملكية الدولة، وعليه؛ فليس للشركة حقّ في التصرف فيه إلا بإذنٍ خاصّ، وباقي مواد العقد لا محذورَ فيها.
وإنشاء هذه الصناديق أمرٌ مشروع ومحمود، ومِن التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينا إلى هذا الصندوقِ طواعيةً منه، لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعين غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ، لا يقدرون على دفعها حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إن الأشعريينَ إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة؛ جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية، فهم منّي وأنا منهم) [البخاري:2486، مسلم:2500]، فمال الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحد المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبن، وقد نصّ علماؤُنا رحمهم الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر، وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات … ومنهم من فصل – وهو مالك – بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو باب المماكسات والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال، وما يقصد به تحصيلها، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو ما لا يقصد لذلك …، وثانيهما ما هو إحسان صرفٍ لا يقصد به تنمية المال؛ كالصدقة والهبة والإبراء، فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على مَن أحسن إليه بها لا ضرر عليه ـ أي بفواتها؛ لأنه يبذل شيئًا نظير ما فاته ـ بخلاف القسم الأول، إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه”[الفروق:137/2].
والذي ينبغي التنبه إليه فيما يتعلق بصندوق التكافل، هو المصارف التي يصرف فيها مال الصندوق، بأن تكون كلها مصارف مشروعة، وليس فيها إعانةٌ على إنفاق غير مشروع، كدفع المال لمن يموت له أحد قرابته؛ ليعينوه على شراء الذبائح وإطعام الطعام، فإن طعام الميت منهي عنه؛ لما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) [ابن ماجه:1612]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
04/صفر/1437هـ
16/نوفمبر/2015م