بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3994)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تعاملت لما يقارب السنة مع تاجر عملة في سوق المشير، حيث كنت أقوم بإيداع مبالغ بالدولار- تخص أشخاصًا يتعاملون معي- في حسابه بتركيا، ثم أستلم منه هذه المبالغ في طرابلس بالدولار- وقد يكون القبض رأسًا برأس، فأقبض نفس القيمة التي أعطيتها في تركيا، أو أقبضها نفسَها لكن أعطي فرقَ السعر للمحوِّل بالدينار، إذا كان سعر الدولار في تركيا أقل من سعره في ليبيا، اعتمادًا على العرض والطلب، وقد أستلم المبلغ الذي أودعته ويعطيني المحوِّلُ مبلغًا زائدًا (فرقَ السعر) بالدينار؛ لأن سعر الدولار في تركيا أزيدُ – ومن ثم أسلِّمُ هذه المبالغ لأصحابها، وآخذ عمولتي منهم بالتراضي، وفي يوم من الأيام نصب عليَّ وورَّطني في مبالغ كبيرة، تخص أشخاصًا أتعامل معهم، وكنت أقرضته قبل هذه الحادثة بأسبوع مبلغًا ماليًّا كبيرًا، بحكم الثقة التي نتجت مع طول المدة، فبدأت في تسديد هذه الديون بكل ما لدي من أموال، فلم أقض ديوني، وبعد ذلك سددت بعضًا من هذه الديون بما أمتلك من أراضٍ، ولايزال عليَّ حملٌ كبير من الديون لا طاقة لي به، علما بأني لا أستطيع الخروج للطريق أو السوق وممارسة حياتي الطبيعية، حتى بعد مرور ثمانية أشهر، خشيةً على نفسي من أذية من يطالبونني بالديون؛ لأني تعرضت للخطف والأذية في بداية الحادثة، فهل يجوز إعطائي من الزكاة؟ مع العلم أن الاتفاق – في المرة التي نصب فيها علي في مبالغ مجموعة من التحويلات وأدت لأن أكون مَدينا – كان أن يسلمني المبالغ رأسًا برأس بالمثل، بغض النظر عن فرق السعر، مقابل أن أنتظره أسبوعين.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والا.
أما بعد:
فدفعُ الزيادة – في فرق سعر صرف الدولار بين تركيا وليبيا – على قدر المبلغ المحوَّلِ محرَّمٌ شرعًا؛ لأن عملية تحويل الأموال (السفتجة) تُعد إقراضًا، ولا يجوز في القرض اشتراطُ الزيادة قدرًا أو صفةً؛ بل ينبغي أن يكون المبلغ المسلَّم في تركيا والمستلَمُ في ليببا متماثلا؛ لأن الزيادة تدخل في سلفٍ جر نفعًا، واستبدالِ نقدٍ بنقدٍ من جنسه بزيادة، وهو من الربا المحرم؛ قال النبي :r (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَن زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) [مسلم:1548]، وقال القرافي رحمه الله عند حديثه عن شرط القرض: “وَفِي الْجَوَاهِرِ: شَرْطُهُ أَنْ لاَ يَجُرَّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةً قَدْرًا أَوْ صِفَةً فَسَدَ”[الذخيرة:289/5]، ولا عبرة بالاتفاق الأخير على تسليم المبالغ بالمثل، بغضّ النظر عن الفرق في سعر الصرف؛ لأن التعامل كان ابتداء على غير التماثل في الحوالات التي نُصب عليك فيها، فلما أراد المسلِّم التأخر في السداد اتُّفق على التماثل، ومن ترتب عليه دين في معصية فلا يجوز له أخذ الزكاة، إلا إذا تاب وصدقت توبته.
وعليه؛ فإذا تبت وصدقت توبتك وتركت هذه المعاملة وندمت، فإنه يجوز لك أخذ الزكاة لتسديد الدين، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خِلَافَ فِيهِ، الَّلهُمَّ إِلاَّ مَنْ أَدَانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ”[تفسير القرطبي:8/183]، وقال ابن جزي رحمه الله في تفسيره: “(وَالْغَارِمِينَ) يَعْنِي: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اسْتَدَانَ فِي غَيْرِ فَسَادٍ وَلاَ سَرَفٍ”[التسهيل لعلوم التنزيل:1/341] وهذا بشرط أن تكون قد بعت كل ما تملكه من عقار ونحوه، زائد عن حاجتك الضرورية، في المسكن الضروري والقوت الضروري لتسديد الدين، ولم تستطع الوفاء، قال اللخمي عند ذكره لمصرف الغارمين ما نصه: “وَالْغَارِمُ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَقْضِيهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لاَ يَكُونَ عِندَهُ مَا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنُهُ، وَالدَّيْنُ لِآدِمِيٍّ، وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ، وَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ فِي فَسَادٍ” [التبصرة: 978/3]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
08// صفر// 1441 هجرية
07// 10// 2019م