بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1546)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
مسجد قديم جدا، نريد أن نبني منافع له بدل منافعه القديمة؛ لضيقها وعدم صلاحيتها، ولا يوجد مكان مناسب إلا مقبرة قديمة خلف المسجد، فهل يجوز ذلك؟ علما بأن هذه المقبرة لم يدفن فيها أحد منذ أربعين سنة، وكثرت بها المسالك والطرق.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل ألّا يتصرف في المقبرة بأي نوع من أنواع التصرف؛ لأن القبر حبس على صاحبه مادام فيه، قال خليل رحمه الله: “والقبر حبس لا يمشى عليه، ولا ينبش مادام به”[المختصر:52]، ولما يؤدي إليه الحفر والبناء من إيذاء الأموات، وخاصة بناء الحمامات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا)[صحيح ابن حبان:3167]، وقال ابن الحاج رحمه الله: “فكان البنيان في القبور سببا إلى خرق هذا الإجماع، وانتهاك حرمة موتى المسلمين في حفر قبورهم والكشف عنهم… فيعملون في مواضعهم السرابات التي للمراحيض، فتعم الأذية لمن نقل من موتى المسلمين، ومن لم ينقل؛ لقوة سريان النجاسة المنبعثة إليهم في قبورهم” [المدخل:19/2].
أما إذا كانت المقبرة دارسة غير عامرة، فيجوز إعادة استعمال المقبرة الدارسة من جديد؛ لكن للدفن فيها، أو بناء مسجد عليها، لا لشيء آخر، قال الدردير رحمه الله: “… إنه إذا علم أن الأرض أكلته، ولم يبق شيء من عظامه، فإنه ينبش؛ لكن للدفن، أو اتخاذ محلها مسجدا لا للزرع والبناء”[الشرح الصغير:578/1].
عليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال من عدم وجود مكان مناسب غير المقبرة، وكانت المقبرة دارسة، فيجوز لكم بناء منافع المسجد في طرف المقبرة؛ لأن مكملات المسجد لها حكم المسجد في هذه الحالة، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه المواضئ ودورات المياه من الأمور اللازمة للمساجد؛ لحاجة المصلين إلى الطهارة والتخلي، وخاصة المساجد الواقعة على الطرقات العامة والأسواق، ومن القواعد المقررة أن ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعض ذلك في بعض على ما النفع فيه أكثر والناس إليه أحوج، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
غيث محمود الفاخري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
30/ذو الحجة/1434هـ
2013/11/4م