بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3854)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أجَّر رجلٌ مستودعًا لشريكين؛ ليبيّ وأجنبيّ، نشاطُهما صناعةُ وتسويق المثلجات، حيث ينحصر دور الليبي في تمكين الأجنبي من العمل في السوق الليبي، وذلك عن طريق تسجيلِ بياناتِ الشركة باسمه، ونحو ذلك من التمكين، على أن يأخذ 30% من الأرباح، فيما يأخذ الأجنبي 70% نظيرَ تقديمه سيارةَ بيع المثلجات ومواد التصنيع وتسويقه المنتج، وهذا في العام الأول مِن الشركة، وبعد انقضائه يدفعُ الليبي نصفَ ثمن السيارة ويكون له 50% من الأرباح، وقبل انقضاء شهر رغب الشريك الليبي في الانفصال، فعرض الأجنبي على المؤجِّر أن يحل محلّ الشريك الأول، بنفس الشروط المتفق عليها مع الشريك الأول، فقبل المؤجِّر دون أن يعلم بتغيُّر نسبة الربح بعد السنة الأولى، وسجل الشركة باسمه واسم زوجته، وعندما طالب بمستحقات الإيجار قال له الأجنبي لا داعي لأخذها؛ لأنك صرت شريكا في العمل، وكان الشريك الثاني ينظف السيارة، ويحمِّلها بمواد التصنيع، ويقودها لأماكن التسويق، ويباشر البيع، أما الأجنبي فكان يراسل الشركات الأجنبية لشراء سيارات التسويق ومواد التصنيع، ويدير الحسابات، وكان المورد المالي المتحصَّل عليه يُدخل مباشرة في رأس مال الشركة، بقصد تنميته وتطويره، وبعد ثلاثة أشهر ساهم الشريك الثاني بمبالغ مالية في رأس مال الشركة، واهتم بتسيير العمل بعد ازدياده، وبعد مضي سنوات اكتشف الشريك الثاني أن الأجنبي يزيد في ثمن شحن السيارات، وأنه أخفى عليه بند تَغيُّرِ الربح بعد مضي السنة الأولى، فما حكم الشرع في علاقة المشاركة التي تربط الطرفين؟ وهل يسري الاتفاق الذي أبرمه الشريك الأجنبي مع الشريك الأول، مع عدم علمه بكافة بنود الاتفاق الأول؟ وهل يجوز تحميل ذمة الشريك الأجنبي بالقيمة التي اختلسها من صافي ما يستحق من أرباح؟ وكيف يمكن إنهاء الشراكة بين الطرفين وَفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فإن الشريك الليبي الثاني يستحق أجرة المثل؛ نظير ما عمله قبل أن يشارك في رأس المال؛ لأن علاقتهما ليست علاقة مشاركة، فالشركة تكون إما بالمال أو بالأبدان أو قراضًا؛ من أحدهما المال ومن الآخر المجهود البدني، وتسمى مضاربة، وهذه الحالة لم تدخلها كل هذه الصور، وأما بعد أن شارك في رأس المال، فإنه يستحق من الربح بقدر مشاركته فيه من المالين، المالِ الذي دفعه ومال الإيجار الذي تركه، ولا يجوز أن يشترط الحصول على ربح أكثر من قدر مشاركته في رأس المال؛ لأن ذلك يفسد الشركة، فإن وقع ذلك بعد العمل فالربح يفض على قدر ماليهما، قال الشيخ الدردير رحمه الله عند كلامه عن مفسدات الشركة: “(وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ) فِي ذَلِكَ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إن اطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنْ اطُّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فُضَّ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ (وَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ)، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ وَدَخَلَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِسُدُسِ أُجْرَةِ الْعَمَلِ (وَلَهُ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (التَّبَرُّعُ) لِشَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ” [الشرح الكبير: 3/354].
عليه؛ فإن للشريك الثاني أجرة مستودعه، إلا إذا اتفقا على أن يسهم بها في رأس المال، وأجرةُ ما قام به من عمل قبل أن يشارك في رأس المال، وله مطالبة الأجنبي بقدر ما زاده على أجرة الشحن، فترد في رأس المال؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) [مسلم:102]، وله من الربح بقدر ما دفعه من المال، ويرجع على الأجنبي بقدر ما زاد من عمله على مقدار نسبته من الربح، إلّا أن يتبرع كل من الشريكين بشيء من ربحه أو عمله لشريكه، فلهما ذلك على ما يتفقان عليه، ويمكن للشريك الليبي الثاني – إذا أراد فض الشراكة – أن يشتري نصيب الأجنبي من الممتلكات العينية للشركة، بالسعر الذي يتفقان عليه، ومن ثَمَّ إجراءُ مقاصّة فيما للطرف الثاني على الأول، وتبقى الشركة باسم الشريك الثاني، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//رجب//1440هـ
25//03//2019م