طلب فتوى
الآداب والأخلاق والرقائقالفتاوى

تعريفُ الحقوقِ … عودٌ على بدءٍ

                                                       بسم الله الرحمن الرحيم

                                               تعريفُ الحقوقِ … عودٌ على بدءٍ


      
قلتُ فيما سبق: إذا أردنا أن نوفر على أنفسنا الجهد والوقت، عند طرح أيّ قضية عليها جدال، فلنبدأ بتحريرِ النزاع، وتحديد الألفاظ، فالاختلاف يأتي كثيرا من عدم تحرير الألفاظ والمصطلحاتِ، وهذا في غاية الأهمية عندما نكون مقبلين على صياغة الدستور، الذي – دون شك – مِن أهم قضاياه الكلامُ على الحقوق والحريات.
        
تعريفُ الحقِّ:
      
الحقُّ هو ما ثبت بالشرع للإنسان على الغير، أي ما مكَّنت الشريعةُ منه، وكان عليه دليل من الشرع يقره، وذلك كحقوقِ الإنسان، التي دلَّ عليها قول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(.

        حقّ التملك، المستفاد من النهي عن التعدي، في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ.(
        
وحقّ التعبير، المضبوط بقواعد الشرع، الذي دل عليه قول الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، وقوله: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)، وقوله: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.(
       
وحقّ الخصوصية، الذي حماه الله تعالى بالاستئذان، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُواْ بيُوتًا غَيْرَ بيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا.(
      
وحقّ المساواة بين المرأة والرجل، المضبوط بضوابط الشرع، مع الاعتراف بالفوارق التكوينية والنفسية، في قولِه تعالى: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)، وقوله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى(، وقوله في الشهادات: (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى.(
        
وحقُّ المهر للمرأة، الذي أمر الله تعالى به في قوله: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً.(

         وحقّ النفقة، الذي أمر الله تعالى به في قوله: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.(
       
وحق الحيوان، في أن يُحسَن إليه ولا يُعذّب، الذي دل عليه ما وردَ في السنة، مِن النهي عن تحميله ما لا يطيق، والنهي عن حبسه دون طعام ولا شراب، فقد دخلت امرأةٌ النارَ في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.
       
هذا وشبهه؛ مما عليه دليل شرعي يُقرُّه، هو الذي يَصلحُ أن يُسمَّى حقًّا؛ سواء كان للمرأة أو للرجل أو للحيوان، للأفراد أو الجماعات، للدول أو الشعوب، ماليًّا كان أو سياسيًّا أو إداريًّا، وشرطُه أن يكون على وفق الدليل، لا على خلافه، فما كان على خلافِ الدليلِ فاسم الباطلُ به أَليَقُ؛ سواء كان من قِبَل ما يُنسبُ لحقوقِ المرأة، أو لحقوقِ الرجل، أو لغيرهما.
       
إذا فكلُّ الحقوق التي ينادي بها الناسُ اليوم، سمِّها ما شئت؛ حقوق الإنسان، الحقوق السياسية، حق التعبير، حق التظاهر، حقوق العمال، حق الطفل، الحق في حرية الإعلام، حرية الصحافة، كل هذه الحقوق وغيرها، محلية أو دولية، من أيّ جهة جاءت، وأيًّا كان الذي أتى بها؛ هي على الرأس والعين، فالحكمةُ ضالَّة المؤمن، حيثما وجدها فهو أحق بها، لكن بشرطٍ واحد فقط؛ أن تراعي هذه الحقوقُ حقوقَ الله تعالى، ولا تتعدَّى حدوده، فالله – تبارك وتعالى – يقول: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ)، (وَمَنْ يُّشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح عنه: (كلُّ عملٍ ليسَ عليهِ أمرُنا فهوَ ردٌّ.(
       
فهذه رسالة خاصة أهديها إلى كل من كانت له فرصة للإسهام في صياغة الدستور، وعلى الأخص لجنة الستين المنتخبة.

 


                                                                                             
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
                                                                                                    
الثلاثاء 6 جمادى الآخرة 1434 هـ
                                                                                                              
الموافق 16 أبريل 2013 م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق