بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5766)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا المواطنة (س)، متزوجة من السيد (ع)، ولي منه أولاد، أكبرُهم مصابٌ بطيف التوحُّد، وكان زوجي قد تحصَّل على فرصة عمل خارج البلاد، فانتقلنا معه إلى بلد العمل، ثمَّ حدثتْ بيننا مشاكلُ نتيجةً للإهمال وسوء المعاملة؛ مما جعلني أرجع إلى ليبيا، ثمَّ بعدة فترة عُدْتُ إليه، فتكرَّرتْ تلك المشاكل، فرجعتُ إلى البلد وتركتُ الأولادَ معه، ثمَّ بعد فترة أرسل إليّ الابنَ المصاب بالتوحُّد، وأرسل إليّ رسالةً صوتيةً قال فيها: (علي اليمين علي اليمين والطلاق صغارك لما يكونوا عندك)، وإلى الآن لم يحضرهم إليّ، فهل الطلاق وقع عليّ؟ وإذا لم يكن قد وقع، فهل يكفي ذهابي إلى أبنائي لكي يبرَّ زوجي في يمينه، أو لا بدّ أن يرسلهم إليّ؟ مع العلم أنه طلقني من قبلُ مرتين وأرجعني، وهو مقرٌّ بهما.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ الحلفَ بالطلاق هو من قَبِيل الطلاق المعلَّق، وهو لا يقع إلَّا بوقوع الأمر الذي عُلِّق عليه؛ لما جاء عن نافع رحمه الله أنه قال: “طَلّقَ رَجُلٌ امْرَأتَهُ البَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنْ خَرَجَتْ، فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخرُجْ، فَلَيْسَ عَلَيهِ شَيْءٌ” [صحيح البخاري: 7/45].
والصيغة التي حلف بها الزوج في السؤال المذكور صيغة حنث، ولكي يَبَرَّ في يمينه يلزمه أن يفعل المحلوفَ عليه، قال في تهذيب المدونة: “وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا [المراد: حلف بصيغة الحنث]، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ” [2/102]، وقال الدردير رحمه الله: “(وَإِنْ نَفَى) بِأَنْ أَتَى بِصِيغَةِ حِنْثٍ وَلَوْ مَعْنًى نَحْوُ: عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَيُكَلِّمَن زَيْدًا، فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ فَهِيَ طَالِقٌ (وَلَمْ يُؤَجِّلْ) بِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ (كَإِنْ لَمْ أَقْدُمْ) الْأَوْلَى كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ، يَعْنِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ نَحْوُ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ، أَوْ إنْ لَمْ أَقْدَمْ مِنْ سَفَرِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ، بَلْ يُنْتَظَرُ، وَ(مُنِعَ مِنْهَا) فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا حَتَّى يَحْصُلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَفَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ” [الشرح الكبير: 2/396].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذُكِر في السؤال، فالطلاقُ غيرُ واقع، ويلزم الزوج لكي يبرّ في يمينه أن يرسل أولادَه إلى زوجته، ولا يكفي أن تأتي هي إليهم، والواجب عليها أن تمنع نفسَها منه، إلى أن يفعل المحلوفَ عليه بأن يُرسل أولاده إليها، فإن تضرَّرتْ من طول مدة الانتظار، فلها أن ترفع أمرها إلى القضاء وتشكوه؛ ليضرب لها القاضي أجل الإيلاء، وإن رضيت بالبقاء على هذه الحالة دون شكوى فلها ذلك، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07// ربيع الأول// 1446هـ
10// 09// 2024م