طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالوقف

حكم تحويل مسجد قديم إلى مدرسة قرآنية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2145)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي :

عندنا مسجد عتيق قد ضاق بأهله، وتآكلت جدرانه، مما اضطر أبناء المنطقة إلى بناء مسجد جديد، مجاور له، تقام فيه الفرائض الخمس وصلاة الجمعة، علمًا بأن المسجد القديم كان مسجد أوقات فقط، والآن بعد بناء المسجد الجديد أصبح المسجدُ القديم مهجورا، وأهل المنطقة يريدون تحويله إلى مدرسة قرآنية، وسكن للإمام والخطيب ومدرسي القرآن، فما حكم ذلك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالأصل أن الحبس لا يباع، ولا يتصرف فيه بمبادلة ولا غيرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في صدقته: (أمسك أصلها، وسبل الثمرة)، وقول عمر بعد ذلك: “لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث” [النسائي:6432]، قال الله عز وجل: )فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( [البقرة:181]، قال المواق رحمه الله: “(واتبع شرطه إن جاز)، قال ابن الحاجب: مهما شرط الواقف ما يجوز له اتبع، كتخصيص مدرسة أو رباط أو أصحاب مذهب بعينه” [التاج والإكليل:649/7]، وقال سحنون رحمه الله: “بقاء أحباس السلف خرابًا دليل على أن بيعها غير مستقيم” [شرح الخرشي:95/7]؛ أما بعد الوقوع والنزول، فإن استغني عن المسجد القديم بالمسجد الجديد، وتيقنت عدم عمارته من جديد، بسبب كفاية المسجد الجديد للناس، وتحققت حاجة الناس إلى هذا المكان ليكون مدرسة، ورأت وزارة الأوقاف أن المصلحة متحققة في تغيير المسجد، جاز تغيير المسجد إلى مدرسة قرآنية، أو نحوها، تقليدًا لقول بعض أهل العلم من المالكية وغيرهم، وعملًا باجتهاد عمر بن الخطاب t، فقد أخرج الطبراني في الكبير، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، قال: “قدم عبد الله، وقد بنى سعد القصر، واتخذ مسجدا في أصحاب التمر، فكان يخرج إليه في الصلوات، فلما ولي عبدالله بيت المال، نقب بيت المال، فأخذ الرجل، فكتب عبدالله إلى عمر، فكتب عمر؛ ألّا تقطعه، وانقل المسجد، واجعل بيت المال مما يلي القبلة، فإنه لا يزال في المسجد من يصلي” [معجم الطبراني:8855] .

قال أبو الوفاء ابن عقيل: “وهذا كان مع توفر الصحابة؛ فهو كالإجماع إذا لم ينكر أحد ذلك، مع كونهم لا يسكتون عن إنكار ما يعدونه خطأ؛ لأنهم أنكروا على عمر النهي عن المغالاة في الصدقات، حتى ردت عليه امرأة، وردوه عن أن يحد الحامل، فقالوا: “إن جعل الله لك على ظهرها سبيلا، فما جعل لك على ما في بطنها سبيلا”، وأنكروا على عثمان في إتمام الصلاة في الحج حتى قال: “إني دخلت بلدا فيه أهلي”، وعارضوا عليًّا حين رأى بيع أمهات الأولاد، فلو كان نقل المسجد منكرا لكان أحق بالإنكار؛ لأنه أمر ظاهر فيه شناعة” [المفردات:343] .

وفي الطراز عن ابن عبد الغفور الإشبيلي: “لا يجوز بيع مواضع المساجد الخربة؛ لأنها وقف، ولا بأس ببيع نقضها إذا خيف عليه الفساد؛ للضرورة إلى ذلك، وتوقيفه لها إن رجي عمارتها أمثل، وإن لم يرج عمارتها بيع، وأعين بثمنها في غيره، أو صُرف النقض إلى غيره، وحكي عن أحمد أنه إن فقد أهل المسجد، ولم ترج له عمارة، أنه يباع أصله، وينفق في أقرب المساجد إليه، وهو شبيه بما قيل في الفرس المحبس يكلب، ويذكر عن ابن مزين أنه يؤخذ نقضه، وينتفع به في سائر المساجد، ويترك ما يكون عَلمًا له؛ لئلا يدرس أثره، ونحوه حكى ابن حبيب عن غير ابن القاسم، قال الموثق: جرى العمل عندنا ببيع ما لا نفع فيه” [التاج والأكليل:662/7].

وقال ابن عابدين الحنفي: “اعلم أن الاستبدال على ثلاثة وجوه؛ الأول: أن يشرطه الواقف لنفسه، أو لغيره، أو لنفسه وغيره، فالاستبدال فيه جائز على الصحيح، وقيل اتفاقا، والثاني: أن لا يشرط سواء شرط عدمه أو سكت، لكن صار بحيث لا ينتفع به بالكلية، بأن لا يحصل منه شيء أصلا، أو لا يفي بمؤنته، فهو أيضا جائز على الأصح، إذا كان بإذن القاضي ورأيه المصلحة فيه، والثالث: أن لا يشرطه أيضا، ولكن فيه نفع في الجملة، وبدله خير منه ريعا ونفعا، وهذا لا يجوز استبداله على الأصح المختار” [رد المحتار:384/4]، وفي مسائل الإمام أحمد بن حنبل، قال صالح بن أحمد: “قلت لأبي: المسجد يخرب ويذهب أهله؛ ترى أن يحول إلى مكان آخر؟ قال: إذا كان يريد منفعة الناس فنعم، وإلا فلا” [ص:405]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

08/ربيع الأول/1436هـ

2014/12/30م

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق