بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4666)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
عمِلْتُ قبل الثورة منسِّقًا للشؤون الإدارية في الروابط الشبابية، مدة أربع سنوات، ولنقص السيولة في ذلك الوقت مُنِحتُ شقة من قبل مصرف الادخار؛ مكافأةً على خدماتي في تلكَ الفترة، وفرارًا مِن تسلط الدولة على أملاكِ الناس – في ذلك الوقت – سجَّلتُ الشقةَ باسم أحدِ أبنائي، وذلك بعد أن اتفقتُ معه على أن تكون الشقةُ للعائلة، يسكنها مَن أرادَ التزوج مِن أبنائي، وكان ذلك في سنة 2008م، ودفعتُ القسطَ الأول المقدر بِخمسة آلاف وأربعمائة دينار ليبي، وظللْتُ أدفع القسط الشهري المقدر بخمسين دينارًا إلى أنْ تزوج ابني – الذي سجلتُ الشقة باسمه – وأقام فيها، فتكفَّل بدفع بقية الأقساط، ثم سافر خارج البلاد؛ لإكمال دراسته، وفي سنة 2015م توفِّيَ ابني، وكان قد ترك توكيلًا عند زوجته، يحِقُّ لي بموجبه التصرف في الشقة ِمن بيعٍ أو إيجار، فأجَّرتُ الشقة مدةَ سنتين، وقسَّمتُ الإيجار حسب الفريضة الشرعية، ثم بعد ذلك بِعتُ الشقة، فهل لورثة ابني حقٌّ فيها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الأب لما سُئل عن سبب كتابة الشقة باسم ابنهِ، أجابَ بأن السبب في ذلك هو الخوفُ عليها من أن تُنتزَع منه، بسببِ القانون الظالم، الذي كان معمولا به في النظام السابق، وهو غير قاصدٍ بتسجيلها باسم ابنه تمليكَها له، وبناءً عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فتقبلُ دعوى الأب ويصدق، والقولُ قولُه أنه لم يردْ تمليكها لابنهِ، وأنه أرادَ الشقة المذكورة ملكًا له، يسكنها مَن يريد الزواج من أبنائه؛ لأنّ القولَ قولُ المتبرعِ فيما أراد بمالِه، والعبرةُ بالمقاصد، لا بالألفاظِ، قال ابن عظوم القيرواني رحمه الله: “وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ قَبُولُ قَوْلِ الْمُتَبَرِّعِ فَيمَا قَصَدَ بِتَبَرُّعِهِ” [الأجوبة: 6/211]، وقال مالك رحمه الله: “قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا” [الموطأ: 4/1095]، وقال البرزلي رحمه الله، بعد ذكر نقول في الإيداع والاسترعاء: “قُلْتُ: تَحْصِيلُهُ: إِنَّ عُقُودَ الْإِنشَاءَاتِ كُلَّهَا إِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِرْعَاءُ فِيهَا إِلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التُّقْيَة، وَإِنْ كَانَ مِنْ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْشِئِهَا، وَلاَ يَفْتَقِرُ لِمَعْرِفَةِ السَّبَبِ” [جامع مسائل الأحكام: 3/114].
وعلى الأب أنْ يدفع لورثة ابنهِ ما دفعَه الابنُ من أقساط؛ لأنّ مَن دفعَ عن شخصٍ مالًا، وكان من شأنه أن يدفعَ ذلك المال؛ لكونه واجبًا عليه في ذمته أو غير واجبٍ، كان له الحق في أخذه والمطالبة به، قال القرافي رحمه الله: “قَاعِدَةٌ مَذْهَبِيَّةٌ: مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا شَأْنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبِأُجْرَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، كَانَ دَفْعُ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ، نَقَلَهَا صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِر فِي الْإِجَارَة، تَنْزِيلًا لِلِسَانِ الْحَالِ مَنْزِلَةَ لِسَانِ الْمَقَالِ” [الذخيرة: 9/93].
عليه؛ فثمن الشقةِ حقٌّ للأب فقط، ولا حقَّ لورثةِ ابنه فيه، وإنما لهم الحق فيما دفعه الابنُ من أقساط، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25//صفر//1443هـ
03//10//2021م