توريث المتبنى، وحوز الهبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2182)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تزوَّج والدي امرأة من تونس، وتبنى ابنتها (ز)، فصارت تحمل اسمه ولقبه في جميع الأوراق الرسمية، وقسَّم والدي مزرعته على أبنائه بمن فيهم (ز)؛ للبنت حصة وللذكر حصتان، وبين لكل واحدٍ حدود أرضه، ولم يحز أيٌّ من الأبناء حصته، إلا أحدهم بنى بيتًا في حياة الوالد، وتمَّ ضمُّ باقي الأرض الموهوبة إلى بيته، أما باقي الأبناء فلم يحوزوا شيئًا؛ لفقرهم وقلة المال، فهل هذه الهبة صحيحة؟ وهل تكون البنت المتبناة من الورثة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يحق لهذه البنت المتبناة مِن قِبل والدك الذي توفي أن ترثَ منه؛ لأن التبني لا يحصل به توارث ولا نسب؛ قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)، ولما يترتب على نسبة الولد إلى من تبناه من مفاسد، تتعلق بالمحرمية والإرث، ولكن إذا كان والدك قد وهب لهذه البنت المتبناة ولباقي إخوتك شيئًا من ماله أو عقاره، كما جاء في السؤال، ولم يحوزوا الشيء الموهوب، ولم يتصرفوا فيه تصرف الملاك، فإن الهبة تكون باطلة، غير نافذةٍ شرعًا، وترجع ميراثًا، وتقسم على كلّ الورثة، حسب الفريضة الشرعية، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن مات قبل أن تحاز فهي ميراث” [الرسالة:117]، وقال ابن عبد البر في الكافي: “وإن مات الواهب في الصحة قبل قبض الموهوب بطلت الهبة ولم تخرج من ثلث ولا غيره وكانت ميراثًا لورثة الواهب…” [999/2]، وليس الفقر عذرًا يسقط به شرط الحيازة، والحيازة في العقار – من بيت ونحوه – تكون بتخليته للموهوب له، أما مَن حاز مِن الأبناء ما وُهب له، أو ما تنازل له أبوه عنه، وتصرف فيه تصرف الملاك في حياة الواهب، فهبته صحيحة نافذة شرعا، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
غـيث بن محمـود الفـاخـري
نائب مفتي عام ليبيا
05/ربيع الآخر/1436هـ
26/01/2015م