حبس على الذكور دون الإناث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5659)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حبَّس جدي الأعلى أراضي بضواحي مدينة س، وجاء في الوثيقة ما نصه: “أنه حبس ووقف أبدا على أولاده الذكور خاصة وما يأتي بعدهم ذكورا الأربعة سواني (و) لهم بـ(ز) وذكرها -ثم قال- فقد حبَّس ذلك على أولاده الذكور الموجودين وما يأتي بعدهم الذكور أيضا وذكرهم.. لأجل أن يعينوا بني عمهم في الضيف بقدر طاقتهم -ثم قال- وقد حبَّس ذلك عليهم وعلى أعقابهم الذكور خاصة لا غير… وجعله عليهم وقفا مؤبدا وحبسا مسرمدا، وأذن لإخوتهم الكبار بعد حوزه لأنفسهم بحوزهم لإخوتهم الصغار…”، وعملَ مَن جاء بعده بما جاءَ في الوثيقة، فما حكم ذلك؟ علمًا أن حال الأرض قد تغير بوارًا غيرَ صالحةٍ للزراعة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالحبسُ المذكورُ بالوثيقة للأراضي هو على الذكورِ دونَ الإناث، وهو محلُّ اختلافٍ بين أهل العلم، والصوابُ الذي ترجحه الأدلة الشرعيةُ أنه غيرُ جائزٍ شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ)[البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتَهُمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾”[المدونة:4/423]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي:5/88]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ – أَيْ الْوَقْفُ – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.
والحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله ، التي أيّدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، رقم (1) لسنة 1443هــ 2022م، بتعديل القرار رقم (1) لسنة 1435هـ 2014م، بشأنِ الوقفِ المعقب، ونصّه: “1- التأكيد على ما جاء في فتوى دار الإفتاء السابقة، من إلغاء الوقف على الذكور دون الإناث والقانون الذي وافقها في هذا الخصوص. 2- بطلان هذا النوع من الوقف من تاريخ صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م، ويعمل بهذا القانون القاضي ببطلان عموم الوقف الذري بالشق الخاص منه بالوقف على الذكور دون الإناث في الطبقة الأولى خاصة؛ لما فيه من الحيف والجور، دون غيره من الوقف الذري الذي لا جور فيه؛ لأنه يدخل في أبواب البر. 3- إمضاء الوقف على الذكور دون الإناث الواقع قبل الإلغاء، إن حكم به حاكم؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف. 4- تتم قسمة الوقف الذي حكم ببطلانه على ورثة المحبس الموجودين من الذكور والإناث وقت نفاذ القانون بتاريخ: 24/ 04/ 1973م، ويعتبر المحبس كأنه مات في هذا التاريخ، فمَن ماتَ أصله قبل سنة 1793م وكان هذا الأصل أنثى، فإنه لا يرثُ ولا يدخل في القسمة، ومن استحق شيئًا من الموجودين يوم إلغاء الوقف بمقتضى الفريضة الشرعية؛ ذكورا وإناثا، فله التصرفُ في نصيبهِ بالبيع والهبة ونحوه”.
عليه؛ فيقسم الحبس المذكور – المُفْتَى ببطلانه – على ورثة المحبس، بتقدير موته بتاريخ: 24/ 04/ 1973م، وينتقل نصيبهم إلى ورثتهم من بعدهم، فمن كان حيًّا من بنات المحبس في التاريخ المذكورِ، فإن لورثتها المطالبة بنصيبها، ومن توفيتْ قبلَ هذا التاريخ فليس لورثتها المطالبةُ به، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
27//ذو القعدة//1445هـ
04//06//2024م