بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4540)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تنازل والدي عن قطعة أرض لأخي، فقام ببناء منزل عليها، ثم سافر لأمريكا لاستكمال دراسته، وانحرفَ بعد ذلك، فقد حصل نزاع بينه وبين أصهاره فقام بسبهم، ونشر صورَ زوجته وأقاربها من البنات على وسائل التواصل، وخرج في بث مباشر على صفحته وهو سكران، وطعن في شرف نساء منطقتنا، ما أغاظ الناس في المنطقة حتى تم تهديدنا بالقتل، فقام والدي بفتح محضر بالبحث الجنائي، وتبرأ منه، وحرمه من الميراث، ورجع في هبة قطعة الأرض المذكورة، وقد توفي والدي قبل أسبوعين، فخرج أخي في بث مباشر وأعاد الكرة مرةً أخرى، ونحن الآن بصدد تقسيم التركة، فهل يجوز حرمان أخي من الإرث، خصوصًا وأنه دائما في حالة سكر، ويتفاخر بأن لديه الجنسية الأمريكية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يجوز لأحد من الورثة أن يمنع وارثًا من نصيبه من الميراث، فقد تولى الله تبارك وتعالى قسمة التركات، ولم يكلها لأحدٍ من العالمين، قال سبحانه وتعالى بعد بيان المواريث: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَّعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُّدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [النساء:13،14]، وقال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ [النساء:7]، والميراث يدخل جبرًا في ملك الوارث، لا يحتاج إلى إذن من أحد، ما لم يقم به مانع، نحو ردّته عن الإسلام -والعياذ بالله- أو قتله لمورّثه، فحرمان الأب لابنه من الميراث لا يعتدّ به.
وأما قطعة الأرض التي وهبها الوالد لابنه، فرجوعُه فيها بعد تصرف الابن بالبناء عليها لا يعتدّ به؛ لأنّ اعتصار الهبة مقيّد بعدم تصرف الموهوب له في الهبة بوجهٍ يفوّتها، قال زروق رحمه الله: “وَالمَذهَبُ أَنّهُ لَا ُرجوعَ فِي هِبَةٍ حِيزَتْ بِوجْهٍ صَحيحٍ إِلّا الأبَ والأمَّ فِي ابنيهِما، فَالأبُ يَعتصِرُ مُطلقًا مَا لَمْ يَتعلّقْ حَقٌّ بِعينِ العطيّة كأن يُنكحَ لِذلَك أَوْ يُداينَ فَيتعلّقُ بِهِ حَقٌّ الغيرِ أَو يُحدِثَ بِناءً وَنَحوَهُ مُعتَبرًا فَيتعلّقُ حَقُّهُ بِهِ فَلَا يَصحُّ اعتصارُه” [شرح زروق على متن الرسالة: 2/ 815].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فقطعة الأرض التي وهبت للابن باقية على ملكه؛ لعدم صحة رجوع الوالد في هبته إياه، كما أن حقه في الميراث من والده المتوفى ثابت لم يسقط، إن كان الابن مسلمًا حال وفاة والده، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
10//ذو القعدة//1442هـ
20//06//2021م