طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

حصول المعلق عليه في الطلاق نسيانا أو جهلا

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5867)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أنا المواطن (هـ)، تخاصمتُ مع جاري بسبب مروره من طريق بجانب بيتي، فغضبت منه وحلفت قائلًا: (عليَّ اليمين معاد يطلع جاري من الطريق)، وقصدتُ منعَه من المرور بسيارته، وأغلقتُ الطريقَ بحواجز، ولم يعلم جاري بحلفي، ولم أحاول إبلاغه بذلك، وبعد شهرين خرج من الطريقِ بعد أن وجد أنَّ الحواجز قد أُزيلت ومرّ بسيارته، فهل الطلاق واقع؟ علمًا أنّي طلقتُ زوجتي قبل ذلك مرتين، ولم تكن لي نية معينةٌ عند حلفي باليمين.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فلفظ (عليّ اليمين) إذا لم تصحبه نيةٌ يُعَدُّ طلاقًا؛ لأنّ اليمين ينصرفُ إلى الطلاقِ في عرفِ بلدنا، إلا إذا نوَى به صاحبُهُ اليمينَ بالله، فإنه لا يكونُ مع هذه النية طلاقًا؛ لأنّ النيّة مقدمةٌ على العرف في الأَيمان، فقد نقل الوزاني رحمه الله عن بعض أهل العلم قولَه: “لفظُ اليَمينِ أصلُهُ فِي اليَمِينِ باللهِ، لكنَّ عُرفَ النّاسِ فِي هذهِ الأَعْصَارِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّهمْ يَصْرِفُونَهُ لِعِصْمَةِ الزَّوْجَةِ، فَيُعْمَلُ عَلَى العُرْفِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ أَبَدًا دَائِرَةٌ مَعَ عُرْفِ الْحَالِفِ أَوْ بَلَدِهِ” [المعيار الجديد: 4/152].

والطلاقُ المعلّق على شيءٍ، كالمرور من طريق ونحوه، يقع إذا وقع المعلَّق عليه، فقد جاء عن نافع رحمه الله أنه قال: “طَلّقَ رَجُلٌ امْرَأتَهُ البَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنْ خَرَجَتْ، فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخرُجْ، فَلَيْسَ عَلَيهِ شَيْءٌ” [البخاري:7/45].

وفعلُ المحلوفِ عليه جهلًا، وإن كان يلزمُ منه الحنثُ عند علماء المالكية والجمهور؛ فإنه يؤخذ في الصورة الواردة في السؤال للحالف بأحدِ قولي الشافعية، وإحدَى الروايات عن الإمام أحمد، من عدم الحنثِ بوقوع المحلوف عليه جهلًا أو نسيانًا؛ نظرًا لأنها الطلقة الثالثة؛ رفعًا للحرجِ عنه، قال الشربيني الشافعي -عاطفًا على ما لا يقع فيه الطلاق-: “(أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِفِعْلِ غَيْرِهِ) وَقَدْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ، وَهُوَ (مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ) أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ حِنْثُهُ، فَلَا يُخَالِفُهُ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ فَيَحْرِصُ عَلَى إبْرَارِ قَسَمِهِ وَلَوْ حَيَاءً لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خَشْيَةَ الْعُقُوبَةِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ (وَعَلِمَ) غَيْرُهُ (بِهِ) أَيْ بِتَعْلِيقِهِ (فَكَذَلِكَ) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَظْهَرِ إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا”[مغني المحتاج: 4/523]، وقال المرداوي الحنبلي، فيما إذا وقع المحلوف عليه جهلا: “وعنه [أي: الإمام أحمد] لا يَحْنَثُ فِي الجَمِيعِ [أي: في الطلاق وسائر الأيمان]، بل يمِينُه باقِيَة، وقدمه في “الخُلاصةِ”، وهو في “الإرْشادِ” عن بعضِ أصْحابِنا، قال في “الفُروعِ”: وهذا أظْهَرُ، قلتُ: وهو الصَّوابُ. واخْتارَه الشيخُ تَقِيُّ الدينِ”[الإنصاف: 22/583].

وعليه؛ فالطلاق غير واقع، وعلى السائل أن ينتبهَ لنفسهِ، ويبتعدَ عن التلفظ بالطلاق؛ لأنه إذا طلّق مرةً أخرى، فإنّ المرأة تحرمُ عليه، ولا تحل له حتى تنكحَ زوجًا غيره نكاحَ رغبةٍ، ثم يطلقَها، أو يموتَ.

علما بأن يمينه لا تزال معلقة، فمتى ما مر جاره من الطريق التي حلف عليه ألا يمر منها؛ عالما بمنعه، فإن الطلاق يقع، وتبين منه زوجته بينونة كبرى، الله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

حسن بن سالم الشريف

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

06// جمادى الآخرة// 1446هـ

08//12//2024م   

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق