حكم أخذ سيارات الإسعاف أجرة من المصحات عن كل مريض يحضرونه
هل يصح توجيه المريض من قبل الإسعاف باتفاق مع المصحة؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4716)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تقوم بعض المصحات بالتفاهم مع سائقي سيارات الإسعاف، وإعطاء السائق مبلغًا ماليا عن كل مريضٍ يحضره للمصحة، وبذلك يقوم السائق بإقناع المريض بالتوجه إلى مصحة معينةٍ؛ ليضمن مبلغًا منها، مع كونه يتحصل على أجرةٍ من المريض مباشرةً، وهذه المبالغ التي تدفعها المصحات تحمّلُها على فاتورة المريض؛ إذ تزيد في سعر الخدمة حتى تغطي تكلفةَ السائق، فهل هذا جائزٌ شرعًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالذي يقدّم خدمة للغير سواء كان سائق إسعاف أو غيره، إن ذكرَ أنه يأخذ أجرةً من الجهة التي ينصحُ بها فالمعاملة صحيحة، وإن أخفى الأجرةَ التي يأخذها من الجهة الأخرى، ولم يذكرها للمريض – كما في هذه الحالة – فإنه غاش للمريضِ، مظهرٌ النصح له وهو كاذب؛ لأنه لو أخبر المريض أنه يأخذ أجرةً من المصحة التي ينقله إليها، لاحتاطَ المريض لنفسه، ولربما اختارَ مصحةً غيرها، لعلمه أنّ السائقَ يعمل بأجرة وليس مجرّد ناصح، ولأنّ ما يأخذه السائق من الأجرةِ دون أن يذكرها للمريضِ، هو أكلٌ لماله بالباطل؛ لأنه سيحمّل على المريضِ مرة أخرى مِن قبل المصحة، قال القاضي العميري رحمه الله في حكم أن يأتي شخص لآخر وهو يظهر له الودّ والنصيحة، فيذهب به إلى تاجر في السوق ويعقد له البيع، ويتظاهر بالمماكسةِ لأجله، ثم إذا انصرف المشتري يأخذ الوسيط من التاجر عمولةً على ذلك، لاتفاقٍ مسبق بينهما، قال: “وَإِذَا كَانَ الأَمرُ عَلَى مَا ذُكرَ فَلَا خَفاءَ فِي فَسَادِهِ مِنْ غَيرِ اخْتِلَافٍ؛ لِأَنّهُ غِشٌّ وَخِدَاعٌ وَمِنْ أَكْلِ أَمْوالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ المحرّمِ بِالكِتَابِ وَالسنّةِ وَالإِجماعِ، وَحلّيَةُ أَكلِ المَالِ بِالتّجارَةِ مَشروطَةٌ بِالتّراضِي، وَلَا تَراضِيَ مَع التحيّلِ؛ لِأنَّ المتحيَّلَ عَليهِ فِي حُكمِ المُكرَهِ” [المعيار الجديد: 5/125]، كما أن مثل هذه المعاملة من الاستغلال القبيح لحاجةِ المضطرِّ، يجبُ التعففُ والابتعادُ عنها من قِبل المصحّات وسائقي الإسعاف معًا، وإلا كانت من أكل السحت، وإذا وقعت المعاملةُ على الوجه الممنوع، بأن أخفى سائقُ الإسعاف أنه يأخذُ أجرةً من المصحة، فللمريضِ المستأجِر للسيارة أن يأخذَ من السائق الأجرةَ التي أعطتها له المصحّة، قال الرباطي في شرح العمل الفاسي: “فَإِنْ قَبضَ الأَجيرُ شَيئًا مِنَ الآخَرِ خُفيَةً وَاشتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ حِينَ العَقدِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ الذِي اسْتَأْجَرَهُ كَانَ لَهُ أَخذُ ذَلِكَ مِنْهُ” [شرح العمل الفاسي: 203]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن حسين قدوع
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//ربيع الآخر//1443هـ
21//11//2021م