بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5534)
ورد إلى دار الإفتاء اللّيبية السّؤال التّالي:
أمي مريضة بمرض (الخرف)، مرض الكبَر وليس الزّهايمر، وقد شُخّص طبيّا في ألمانيا، فهي لا تنسى الأساسيات كَأبنَائِهَا مثلا، ولكنها تنسى بعضَ الأشياءِ الأخرى، وعندما تذكّرُها تتذكّر، فهل يجوزُ لها – والحالُ كما علمتُم – أن نأخذَ منها العطايا عندمَا تكونُ في حالتها الطبيعيةِ، وأن نطلبَ منها ما نريدُ؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإنه لا يحلّ مالُ المسلمِ إلا بطيبِ نفسٍ منه، أو باستحقاقٍ شرعي، والخرف يسبب للمريضة المذكورة فقدا للعقل أحيانا كما ذكر السائل، وفقد العقل نوع من الجنون من موجبات الحجر على المريضة؛ وإن كان متقطعا، قال الدّردير رحمه الله: “(الْمَجْنُونُ) بِصَرَعٍ أَوِ اسْتِيلَاءِ وَسْوَاسٍ (مَحْجُورٌ) عَلَيْهِ مِن حِين جُنُونِهِ… وَيَمْتَدُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ (لِلْإِفَاقَةِ) مِنْ جُنُونِهِ”، قال الدّسوقي رحمه الله: “َسَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطْبِقاً أَوْ مُتَقَطِّعاً” [الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 3/292].
عليه؛ فعطية هذه المرأة حالَ مرضها المتقطعِ، باطلةٌ لا تصحّ؛ لفقدِها شرطَ الأهليةِ الشرعيةِ لإنشاءِ العقود، باستحقاقِها الحجر، قال الدّردير رحمه الله -عند ذكر شروط الهبة: “(مِمَّن لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) وَهْوَ مَن لاَ حَجْرَ عَلَيْهِ فخَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَرِيضُ… وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالصَّغِيرُ فَبَاطِلَةٌ كَالْمُرْتَدِّ”، قال الدّسوقي رحمه الله: “وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ وَقَوْلُهُ: فَبَاطِلَةٌ أَيْ: وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ الْمَالِ لِحَقِّ أَنْفُسِهِمْ” [الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 4/98].
وَلا يحق لأبنائها والحالة هذه أن يأخذوا منها شيئًا من مالها، بل عَلَى أبنائها أَن يَرْفَعُوا أَمْرَهَا إِلَى الْقَاضِي، ليحكم بالحجرِ عليها؛ لما يحصل لها من فقدان العقل أحيانًا، ويُعيِّنَ القاضي لها من أهلِ الدّينِ والأمانةِ مِن أقارِبِها وَصِيًّا، يَتَوَلَّى رِعَايَةَ مَالِهَا وَفقَ الْمَصلَحَةِ، والنَّفَقةَ عليها مِنهُ بالمعرُوفِ، قال خَلِيلٌ رحمه الله: “وَإِنَّمَا يَحْكُمُ: فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ… الْقُضَاةُ”، ثم قال: “وَالْوَلِيُّ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ حَاكِمٌ” [المختصر: 172].
وهي وإن كان لها أولادٌ، فإن النفقةَ عليها فيما يتعلقُ بمعيشتهَا ودوائهَا وعلاجها، يكونُ مِن مالِها ما دامَ لها مالٌ، ولا بدَّ من تنصيبِ مَن يتولى ذلكَ عن طريقِ القضاء، بحيثُ يتم صرفُ المال على الوجهِ المضبوطِ بالشرع، ولا يكونُ عرضةً للخصوماتِ مِن الورثةِ بعد موتها، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//شعبان//1445هـ
29//02//2024م