بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5890)
السيد المحترم/ عميد بلدية تاجوراء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم بخصوص السؤال عن حكم إزالة جزء من مقبرة سيدي سالم، ونقل بعض القبور إلى جهة أخرى من المقبرة، وذلك لغرض مخطط البلدية، وهو توسعة الطريق الرابط بين المناصير الواصل إلى شارع العلوة.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالأصل ألّا يتصرف في المقبرة بأيّ نوع من أنواع التصرف؛ لأن القبر حبسٌ على صاحبه مادام فيه، قال خليل رحمه الله: “وَالْقَبْرُ حُبُسٌ لاَ يُمْشَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ” [المختصر: 52]، ولما يؤدّي إليه الحفر والبناء من إيذاء للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [صحيح ابن حبان: 3167]، قال ابن الحاج رحمه الله: “فَكَانَ الْبُنْيَانُ فِي الْقُبُورِ سَبَبًا إِلَى خَرْقِ هَذَا الْإجْمَاعِ، وَانْتِهَاكِ حُرمَةِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْر قُبورِهِمْ وَالْكَشْفِ عَنهُمْ… فَيَعْمَلُونَ فِي مَوَاضِعِهِم السَّرَابَاتِ الَّتِي لِلْمَرَاحِيضِ، فَتَعُمُّ الْأَذِيَّةُ لِمَنْ نُقِلَ مِنْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ” [المدخل: 2/19].
لكنِ استثنَى العلماءُ من حرمةِ التصرف في المقبرة ونبشِ القبور، ما إذا دعتِ المصلحة العامّة إلى ذلك، ومنها توسعة الطريق العام الذي يحتاج إليه الناس، قال الخرشي رحمه الله: “وَبَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مِنْ مَسَائِلِ جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَيِّتِ مَا إذَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَفِعْلِ مُعَاوِيَةَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ إجْرَاءَ الْعَيْنِ بِجَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ وَلْيَنْبُشْهُ وَلْيُخْرِجْهُ وَلْيُحَوِّلْهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا” [الخرشي: 2/145]، ولأن ما كان للهِ فلا بأس أن يستعانَ ببعضه في بعض.
وعليه؛ فيجوز لكم إزالة جزء المقبرة الواقع في مخطط التوسعة فقط، ونقل المقابر من مكانها، ولا يزاد في ذلك عن قدر الحاجة، وينبغي أن يترك لذوي الموتى فرصةٌ لمباشرة نقل رفات موتاهم إلى مكان آخر، إن عُلِموا، فإنْ جهل أربابُ القبور أو لم يُعْلَم ذَوُوهُم؛ فيتولى المجلس البلدي أو أعيان المنطقة نقل القبور الواقعة في الطريق، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
حسن بن سالم الشريفٍ
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//جمادى الآخرة//1446هـ
30//12//2024م