حكم إطلاق منصة إلكترونية عبر شبكة الانترنت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5840)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل على إطلاق منصة إلكترونية (تطبيق على الهواتف وموقع) تعنى بدعم المبدعين من صناع المحتوى الهادف في مختلف المجالات، مثل الرسم والرياضة والطب والتغذية والتوجيه الديني وغيرها من التخصصات النافعة، وذلك بأن نتيح لهم مساحة لتقديم محتواهم، وتلقي الدعم المباشر المادي لهم من قبل المتبرعين، ليساعدهم في الاستمرار وتطوير أنفسهم، والقيمة إما أن تكون تبرعا بلا مقابل، أو مقابل خدمة أو سلعة يقدمها صانع المحتوى، وعمليا تتم الطريقة بتحميل التطبيق وتسجيل بيانات المستخدم إما متابع أو متبرع أو مقدم محتوى وذلك بشكل مجاني ولا بد من التعهد بالالتزام بالشروط الخاصة بالمنصة، إذ لا نسمح بالمحتوى المخل بالآداب والضوابط الشرعية، وإذا ثبت وقوعه في مخالفة حُذّر، ثم حُظِر من المنصة وصودرت الأموال المتبرع بها إليه، لئلا نعينه بها على المنكر، ونتخلص منها إما بالتبرع للمحتاجين أو استخدامها في تطوير المنصة، ويتم التبرع عن طريق منصة لشركة خدمات مالية، تجمع كل طرق الدفع الإلكترونية، وتخصم من قيمة التبرعات 5% عمولة لها، بالإضافة إلى عمولة 25% لصالح التطبيق، لتسديد التزاماته المادية من توفير المكاتب ومرتبات فريق العمل وتطوير المنصة، علما بأن هذه الخصومات تكون بعلم المتبرع، ونخصص بمقر الشركة قسما لاستقبال الأموال العينية، وأيضا يقبض من خلالها المستفيد أمواله، فهل هذا المشروع حلال؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالمنصة المشار إليها متوقفة على أصحاب الحسابات التي تقدم محتواها من خلاله، فإن كان صاحبُ الحسابِ يقدِّم ما ينفع الناس ويرشدهم، أو يوجههم إلى ما هو خير وصلاح في دينِهم ودنياهم، ويسهم في الإصلاحِ، فتكون المنصة نافعة وجاز دعمها، فالدعم المشار إليه هو مِن قبيل التبرعاتِ والتبرّع لها حينئذ من باب الإعانة على المعروف، سواء ما يتلقاه صانع المحتوى أو النسبة التي تعود على المنصة.
ولكن الناظر في حالِ غالب ما يسمون بصناع المحتوى في مختلف المنصات، وما يُنشَر فيها وما يتلقون فيه من الدعم؛ يتبيّن له بوضوح، أن الغالب في المحتوى الذي ينشر هو بث المحرّماتِ، والدعوة للفساد والانسلاخ من أحكام الشريعة، وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين، وهو الأكثر دعما ورواجا بين الناس، وقد توعد الله هؤلاء الناس بالعذاب الأليم في قوله : ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النور: 19]، وحذر من نقل الأخبار دون تبين، قال تعالى :(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ) [مسلم: 2563].
عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر؛ فيجوز إطلاق هذه المنصة على الصورة المذكورة؛ لما فيها من الإعانة على الخير وتوفير منصة خالية من أهل الفساد، ولكم استقطاع جزء معلوم من التبرّعات بعلم صاحبها لدعم المنصة وتطوير أدائها، والواجب عليكم إيجاد آلية عملية لضبط المحتوى الذي يُنشر؛ بحيث لا يعرض في المنصة ولا يصل للمتلقِّي إلا ما كان صالحا نافعا خال من أي مخالفة شرعية، حتى لا تكون المنصة سببا في نشر الإثم، وإشاعة الفساد ويحصل منه المصالحِ المرجوَّة من ورائها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
08//جمادى الأولى//1446هـ
10//11//2024م