بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5902)
السيد/ عميد بلدية طرابلس المركز.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمِّنة السُّؤال عن حكم إعادة الدفن في مقبرة سيدي بوكر، ومقبرة سيدي منيذر، وغيرها من المقابر؛ لامتلائها؛ وعدم وجود أماكن أخرى للدفن.
فالجواب كالتالي:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالأصل أن لا يتصرّف في القبر بأيّ نوع من أنواع التّصرف؛ لأنّ القبر حبسٌ على صاحبه مادام فيه؛ ولِمَا يؤدّي إليه هذا النّبش من إيذاء الأموات، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [ابن حبان: 3167]، قال ابن الحاج رحمه الله: “وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ مِنْهُ شَيْءٌ مَا مَوْجُودًا فِيهِ حَتَّى يَفْنَى، فَإِذَا فَنِيَ حِينَئِذٍ يُدْفَنُ غَيْرُهُ فِيهِ، فَإِن بَقِيَ شَيْءٌ مَا مِنْ عِظَامِهِ فَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ كَجَمِيعِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ قَدْ غُصِبَ” [المدخل: 2/18-19].
فإذا تبيَّنَ أنّ العظام قد بَليتْ في هذه القبور المسئول عنها، وصارتْ رميمًا، فإنّه يجوزُ نَبْشُ هذه القُبُور، والدّفن فيها مرة أخرى، قال الدّردير رحمه الله: “إذَا عُلِمَ أَنَّ الأَرْضَ أَكَلَتْهُ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ، فَإِنَّهُ يُنْبَشُ؛ لَكِنْ لِلدَّفْنِ …” [الشرح الصغير: 578/1].
عليه؛ فإذا تبين لكم بالكشف -من أهل الخبرة- عن بعض هذه الأجزاء من المقبرة التي انقطع الدفن فيها من آماد بعيدة، أنّ عظامَ الموتى بها قد بَليتْ وصارت ترابًا ولم يبقَ لها أثرٌ؛ جاز لكم حينئذ إعادة الدفنُ فيها، وإلا فلا، ويمكنُ الاستفادة من المقبرة إذا لم تفنَ وتبلَ عظامها -عند الحاجة وضيق المكان- بتغطية المقبرة بطبقة خرسانية مسقوفة على أعمدة وردم الخرسانة بالتراب والدفن فيه، بحيث تصير المقبرة من طابقين وبابين كلٌّ منهما منفصل عن الآخر، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//رجب//1446هـ
14//01//2025م