بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5309)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أفيدكم – أنا (م خ ص) – بأن والدي قد توفي بتاريخ 2023/01/14م، وأننا وجدنا بعد ذلك ضمن أوراقه الشخصية ورقةً عنونها بِـ (إقرار واعتراف) مؤرخة في يوم 2016/12/10م، أمضى عليها، وأشهد عليها أربعًا، ثم صدقها من محرر للعقود بتاريخ 2016/12/12م، أقرَّ فيها بأن ممتلكاته العقارية والمنقولة والنقدية مشاركة بنسب متساوية مع أبنائه: (ع)، و(ح)، و(د)، إضافة إلى قطعة الأرض المقام عليها مبنى بحي الأندلس قرب مسجد بدر المسجلة باسم زوجته –والدتنا- (خ) نظرًا للقوانين الجائرة في ذلك الوقت، واستثنى مسكن الأسرة بحي الأندلس فهو من ممتلكاته الخاصة، فهل تُعدُّ هذه الوصية نافذةً؟ علما أنه كان يدير أعماله التجارية بنفسه إلى أن بلغنا سن الرشد فعملنا معه، وعند بلوغه سن التقاعد في شهر يوليو من سنة 1996م تولينا إدارة أعماله، وكانت المصروفات والإيرادات مشتركة بيننا، وكان هو المسئولَ عن توزيع المستحقات بيننا، ولم يتفق معنا على إعطائنا أجرة معينة، وإنما حسب حاجتنا، وحسبما يرى.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا ثبت بالبينة والقرائن الدالة، أنّ الأب لم يسجل العقار باسم زوجته إلا مخافة أن ينتزع منه البيتُ، بسبب القانون الظالم، الذي كان معمولا به في النظام السابق، وأنه لم يقصد حقيقة التنازل، فإن ذلك يُعدُّ إكراهًا، لا يثبت معه ملك لمن تنازل له، بل هي تركة تقسم على جميع الورثة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [السنن الكبرى للبيهقي: 11545] وقد نص الفقهاء على أن التهديد بأخذ المال من أنواع الإكراه التي لا تصح معها التصرفات المالية، قال الشيخ خليل رحمه الله في معرض ذِكره لِمَا يكون به الإكراه: “أَوْ أُكْرِهَ … بِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ؛ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَإ أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ” [المختصر: 115].
أما إقـرار الأب لأبنائه بالشركة معه في ماله فهو صحيح إذا كان في حال صحته، سواء كان الـمُـقـرُّ له وارثًا أو غيرَه، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِ وَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالدُّيُونِ أَوِ الْبَرَاءَةِ أَوْ قَبْضِ أَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، لَا تَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ تَوْلِيجٌ” [الكافي: 2/886].
عليه؛ فإقرارُ الأب بأنَّ أبناءه صاروا شركاء له بالأرباح المتراكمة لهم، التي دخلت ضمن رأس المال، وبجهودهم وإدارتهم للعمل، صحيح نافذ؛ يختص بموجَبه كل ابن بربع ما ذكره الأب في إقراره، والربع الذي يختص به الأب، يكون ميراثا يُقسم على جميع الورثة حسب الفريضة الشرعية، أمّا العقار المسجَّلُ باسم الزوجة فهو من جملة التركة، ولا تختصُّ الزوجة به، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//ربيع الأول//1445هـ
17//09//2023م