طلب فتوى
الحدود و الجناياتالعقيدةالفتاوى

حكم إلقاء الورق الذي عليه كتابة باللغةِ العربيةِ على الأرض

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5484)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكم إلقاء الورق الذي عليه كتابة باللغةِ العربيةِ على الأرض؟ وهل يجب على من وجدَ ورقًا مُلقًى على الأرض يُحتمَل أنه مكتوبٌ عليه اسمُ الله أن يُقِيمَه ويحفظَه؟ علمًا أنه لا يكاد يخلو طريقٌ أو شارعٌ إلَّا ويوجدُ فيه ورقٌ مُلقًى.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ المحرَّم شرعًا هو إلقاءُ الأوراق المتضمنةِ لنصوصٍ مقدَّسةٍ -من الكتاب أو السنة أو اسمٍ مِن أسماءِ الله تعالى، أو الأنبياء- في الطرقاتِ، أو أماكنِ القمامةِ والمكبَّاتِ، وهو ردَّةٌ عن دين الله لمن تعمّده، وكذا تركُها ملقاة لمن علم بها؛ لما يترتَّبُ على ذلك من امتهانِها واحتقارِها، والاستخفافِ بها.

ومعلومٌ أنّ مَن يقصدُ الاستخفافَ بشيءٍ مِن القرآن أو السنةِ أو الشريعةِ، فإنّه يكونُ مرتدًّا عنْ ملةِ الإسلامِ؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65].

ومَن فَعَلَ ذلك دونَ قصدِ الاستهزاءِ غفلةً منه، فإنَّه آثمٌ إثمًا كبيرًا؛ لتهاونهِ وإهمالِه وعدم تحوطه، قالَ الدرديرُ رحمه الله شارحًا كلام خليل في بابِ الردَّةِ وأحكامها: “(أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) أَيْ: يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَيَسْتَلْزِمُهُ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ: مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَلَوْ كَلِمَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ تَرْكُهُ بِهِ أَيْ عَدَمُ رَفْعِهِ إنْ وَجَدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ”[الشرح الكبير: 4/301]، ويدخلُ في ذلك أسماءُ الأنبياءِ، إذا اقترنتْ بما يدلُّ على أنّها أسماء لهم، قال الدسوقي رحمه الله: “وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّحْقِيرِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهَا بِأَنْ يُلْقِيَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا اسْمُ نَبِيٍّ لَا مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ: (وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَا مُطْلَقًا” [حاشية الدسوقي:4/301].

وإنْ كان المكتوبُ اسمًا لعالم أو لأحدٍ من السلفِ الصالح، أو يتضمن عِلْما شرعيّا، فيُكرَه رميُه وامتهانُه، قال ابن الحاج رحمه الله: “… وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ أَسْمَاءُ الْعُلَمَاءِ أَو السَّلَفِ الصَّالِح – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – أَوْ الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ دَرَجَةُ التَّحْرِيمِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ” [المدخل:4/89].

وما تقدَّم من التحذير من إلقاء الأوراق أو تركِها لمن مرّ بها، لا يستلزمُ النظرَ في كلِّ ورقٍ ملقًى على الأرض، والمعوَّل عليه هو ما يظهرُ مِن الورق، فإن تيقَّن المارُّ أو ظنَّ أنَّ هذا الورقَ عليه كتابةٌ محترَمةٌ شرعًا – كأن يكون مقطوعًا من كتاب، أو ورقة امتحانٍ كما يحدث من بعض الطلبة في نهاية العام الدراسي- حينئذٍ يجب عليه أن يرفعه، ويأثمُ إنْ تركَه.

أمَّا ما يوجد من أغلفةٍ لمواد غذائية عليها كتابةٌ بالعربية، فلا يجبُ على المارِّ أن يتتبعها وينظرَ فيها؛ لأنَّ ذلك قد يورثُ الوَساوسَ، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

23// رجب//1445 هـ

04//02//2024 م

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق