حكم إنشاء تطبيقٍ لتفسير الأحلام
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5631)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم إنشاء تطبيقٍ لتفسير الأحلام، بحيث يكونُ عملُ التطبيق على الوجهِ التالي: يقوم المشترك بإدخال وصفٍ للحلمِ الذي رآه، ويقوم التطبيق بتحليلِ الحلم عن طريقِ الكلمات المفتاحية، واستخراج مظانّها من بعض كتب تفسير الأحلام الموثوقة، نحو كتاب ابن سيرين، والنابلسي، ثم يقدم التطبيق للمشترك تفسيرًا عامًّا لحلمه؛ بناءً على الوارد في هذين الكتابين، ويقتبس له منهما المبحثَ المتعلق بحلمه، مع تنبيه المشتركِ إلى أنّ هذا التفسير عام وغيرُ مجزوم به، ويكون الاشتراكُ مقابلَ قيمةٍ رمزية، يدفعها المشترك عن طريق رصيدِ الهاتف النقال.فهل يجوز شرعًا إنشاء واستخدام هذا التطبيق؟ علمًا أن التفسير المذكور منوطٌ بما ورد في هذين الكتب من مباحث وألفاظ، فإن قدم المشترك سؤالا عن حلم يتضمن أشياء ليست في الكتابين، كأن ذكر في حلمه أشياء معاصرة؛ فيعتذر التطبيق عن إجابته، لعدم وجود ما يتعلق بهذا الحلم في الكتابين.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ حرمةَ الكلام في الرؤيا قريبٌ من حرمةِ الكلامِ في الفتوى؛ لأنَّ الرؤيا نوعٌ من الوحيِ الذي يلقيهِ الله تعالى إلى عباده في المنام، وهي جزءٌ من أجزاءِ النبوة، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) [البخاري: 6582]، وتفسير الرؤى من غير العالم بالتأويل، إما بموهبة أعطيها وإما بفهمٍ لما ألُّف فيها من كتب معتمدة؛ محرمٌ شرعًا؛ لأنّ لهذا العلمِ أصولا وقواعدَ لا بد من مراعاتها من المعبر تتعلق بالرؤيا وأحوال الرائي وأوقات الرؤيا وأوصافها، كالفتوى في النازلة، فتعبير الرؤيا يتطلب من المعبِّر علمًا واسعًا وفراسةً صادقةً ونظرًا في المناسبات، يؤهلُه للكلام فيه، قال النفراوي رحمه الله: “وَلَا يَجُوزُ تَعْبِيرُ الرؤيا بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، يَكْشِفُ نَحْوَ ابْنِ سِيرِينَ عِنْدَمَا يُقَالُ لَهُ: أَنَا رَأَيْت كَذَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِأُصُولِ التَّعْبِير، فَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَأَوْصَافِ الرَّائِينَ، فَعِلْمُهَا عوِيصٌ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ مَعْرِفَةٍ بِالْمُنَاسَبَاتِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَنَا رَأَيْت نَفْسِي أُؤَذِّنُ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: تَسْرِقُ وَتُقْطَعُ يَدُك، وَسَأَلَهُ آخَرُ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ، فَقَالَ لَهُ: تَحُجُّ، فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فُسِّرَ لَهُ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ هَذَا بِسِمَةٍ حَسَنَةٍ وَالْآخَرَ بِسِمَةٍ قَبِيحَةٍ” [الفواكه الدواني: 2/353].
فالسؤال واحد والتعبير اختلف، وهذا لا يتأتى بالتطبيق.
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر؛ فلا يجوز للناس طلب تأويل الرؤى من غير أهل العلم المختصين، ولا عن طريق الكتب المذكورة، أو المواقع أو التطبيقات التي تقوم على الاقتباس من هذه الكتب، ولا يجوز إنشاء مثل هذه المواقع والتطبيقات، ولا أخذ الأجرة في مقابل ذلك، لأن فيها تسليطًا للمحترفين على أكل أموال الناس بالباطل، وبذلًا للمالِ في منافعَ لا تتوافر شروط جوازها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
13//ذو القعدة//1445هـ
21//05//2024م