بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3777)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
رجل مصاب بمرض الصرع – كما هو مرفق في التقرير الطبي – ولا يعمل بسبب المرض، ولا يحصل على الدواء غالبا؛ لثمنه الباهظ، مما يسبب له اضطراباتٍ نفسيةً وعنفوانًا جسديًّا، حدثَ أن طلّقَ زوجته وهي حامل طلقةً واحدةً، وهو بكاملِ وعيهِ وإدراكه، فاستفتى شيخا، فأفتاه بعدمِ وقوعِ الطلاق؛ لأنّ الزوجةَ حاملٌ، ثم حدثَ شجار بينه وبين زوجتهِ وهو في نوبةِ صرع، لا يدركُ ما يقولُ، فأخبرته زوجتُه أنه طلقها، فاستفتى مفتيًا، فأفتاهُ بعدم وقوعِ الطلاقِ؛ لعدم إدراكه، ثم أخبرته زوجته أنه طلّقها مرةً ثالثةً عن طريق الهاتفِ، وهو غير مدركٍ لما يقولُ، فهل تقع هذه الطلقاتُ وتحتسبُ، أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالطلاق في الحمل واقع على مذهب جماهير العلماء، من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه طلقَ امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ ليُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا) [مسلم:1471]، وأما طلاق من غاب عن وعيه ولا يدرك ما صدر منه، فإن العقل هو مَناطُ التكليفِ والمؤاخذة بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المتكلم عاقلا مدركًا، يعلم ما صدر منه، فطلاقُه لازمٌ، ولا تأثير للمرض مع وجود العقل، وأما إن كان المرض قد غيَّب عقلَه، وصار كالمجنون، لا يدرك ولا يعلمُ ما يقول، وطلقَ أثناء ذلك، فلا يقع طلاقُه، ولا شيءَ عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظِ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [أبوداود:4398]، وفي المدونة: “قال يحي بن سعيد رحمه الله: مَا نَعْلَمُ عَلَى مَجْنُونٍ طَلَاقًا فِي جُنُونِهِ، وَلاَ مَرِيضٍ مَغْمُورٍ لاَ يَعْقِلُ، إِلاَّ أَنَّ المجْنُونَ إِذَا كَانَ يَصِحُّ مِن ذَلِكَ، وَيُرَدُّ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَقلَ وَصَحَّ جَازَ أَمْرُهُ كُلّهُ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ”[المدونة84:2].
عليه؛ فتحسب الطلقة الواقعة في الحمل، أما الطلقتان الثانية والثالثة، فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، من أن الزوج تلفظ بالطلاق من غير شعور ولا وعي به، وإنما أخبرته الزوجة بالطلاق بعد رجوع عقله، فلا يقع الطلاق بهما، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
سمير مصباح بن صابر
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01//جمادى الآخرة//1440هـ
06//02//2019م