حكم اتصال مؤسسات المجتمع المدني مع الدول الأجنبية دون علم الدولة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3584)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نحن مجموعة من نشطاء المجتمع المدني، تقوم بدعوتنا بعضُ المنظمات والجهات الدولية – داخل ليبيا وخارجها – للتواصل والحوار في الأمور العامة، التي تتعلق بالأوضاع في ليبيا، فهل يباحُ لنا شرعًا تلبية هذه الدعوات، والجلوس معهم – في الداخل أو الخارج – دون الرجوع إلى الجهات ذات الاختصاصِ في الدولة الليبية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ من مهامِّ مَن وَلَّاه اللهُ أمرَ المسلمين، أنْ يقومَ برعايةِ مصالحِهم الدينيةِ والدنيوية، وذلك بما يحقّقُ لهم الاستقرارَ والأمنَ، ويسدّ عنهم أبوابَ الضررِ، ومِن جملةِ ذلك في الدولةِ الحديثةِ تحديدُ الصلاحياتِ؛ لضبطِ الأمورِ المتعلقة بأمنِ البلدِ ومصالحِ الناسِ، وقد فعلَ ذلك أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطّابِ رضي الله عنه، حينَ دوّن الدواوينَ، وحدَّدَ الاختصاصاتِ.
والجهات الأجنبيةُ حين تتواصلُ مع الناسِ مِن وراءِ الجهات المختصة، اتصالُها غيرُ قانونيّ، وهي في الغالبِ إمّا جهاتٌ أمنيةٌ، أو جهاتٌ سياسيةٌ لها أجنداتٌ خادمةٌ للجهاتِ الأمنيةِ، وهذا التواصلُ غيرُ قانوني، تمنعهُ القوانين في كلّ الدولِ، وتعاقبُ عليه.
وما وقع السؤال عنه يحصلُ في بلادنا كثيرًا، ويتساهلُ الناس فيه بحسنِ نيةٍ، دونَ وعيٍ بتداعياتهِ وأضرارِه، ويقعُ مِن فئاتٍ مختلفة؛ نشطاء، وثوار، وممثلينَ لأحزابٍ، وغير ذلك.
وهو وإنْ كان ظاهرهُ السلامة، والبحثُ عن الحلول للأزمة الليبيةِ، فإنه ينطوِي على مفاسدَ كبيرة، تجعلُهُ في دائرةِ المحظور، وذلك لأمرين:
الأول: أنه مخالفٌ للقانونِ، ولذلك لا تسمحُ به هذه الجهات الدولية في بلادِها، فمثلًا لو اتصلتْ جهاتٌ صينيةٌ أو روسيةٌ بمواطنين في أمريكا أو ألمانيا، منْ غير إذنِ حكوماتهم، لاتّهمتهم الحكوماتُ بالتجسسِ.
الثاني: مِن خلال التجربة في الأزمة الليبية، يتبينُ أن هذه اللقاءاتِ البعيدةَ عن المسارِ الرسمي، سواء في داخلِ ليبيا أو خارجها، هي ليستْ إلّا لجمعِ المعلوماتِ، وتقييمِ الأشخاصِ ومَن معهم، ومعرفةِ وزنهم وأهدافهم، ومَن يصلحُ للتعاون معهم ومن لا يصلح؛ لاتخاذِ الخططِ لإجهاضِ عملِهم، ومقاومته باستعمال القوة الناعمة، كالتفتين بينهم، أي لإفشالِ أيِّ عملٍ وطنيّ، لا يتفقُ وأهدافَ هذه الدولِ، ولا شكَّ أنّ في هذا السلوكِ ضررًا بالغًا بالبلدِ، لا يحلُّ لأحدٍ أنْ يشاركَ فيه؛ لأنه يقدمُ معلوماتٍ يستفيدُ منها عدوه، ويدخلُ في أهدافِهِ البعيدةِ، في بابِ التجسسِ على بلدهِ لصالح أعدائها، فمَن ليس مخوّلًا بالإدلاءِ بالمعلوماتِ، أو الاتصالِ بجهة أجنبيةِ، ليس له ذلك؛ قال الله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
وعندما اجتهد حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه مِن نفسِهِ، واتصلَ بالمشركين في مكةَ، على غيرِ علمٍ مِن النبي صلى الله عليه وسلم، عنَّفَه الصحابةُ تعنيفًا شديدًا، حتى قال عمرُ للنبي صلى الله عليه وسلم: “دعني أضربْ عنقَ هذا المنافقِ”، ولامَه النبي صلى الله عليه وسلم على تصرفهِ، ثم عفا عنهُ.
عليه؛ فإنّه لا يجوزُ لهذه المؤسسات أو الأفراد، أن تتواصلَ مع أيِّ جهةٍ أجنبيةٍ، إلا وفقَ القانونِ، عن طريقِ الخارجية، ويتعينُ على مَن يتمُّ الاتصالُ به أنْ يُحيلَهم إلى الاتصال بالحكومةِ، ويقولَ لهم: هذه الجهةُ وحدَها المخولةُ بذلك، ولو التزم الناسُ بهذا السلوكِ الشرعيِّ والقانوني، عندما كانت الدول الخارجية تطبخُ لمشروعِ الصخيراتِ، وكان هذا جوابَ كلِّ أحدٍ اتصلُوا به، فأحالَهم في ذلك الوقتِ إلى المؤتمر الوطنيِّ العام؛ لما وقعتْ ليبيا في حبالِهم، يفعلونَ بها هذه الأفاعيل دونَ شفقةٍ ولا رحمةٍ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29/شعبان/1439هـ
15/مايو/2018م