بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5310)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يوجد في مكتبة المسجد كتاب في علم القراءات، وهو من العلوم التي لا يمكن لعامة الناس أن يستفيدَ منه، إلّا مَن كان متخصصًا فيه، وأظن أنه لم يطلع على هذا الكتاب أحدٌ في المسجد، فهل يجوز لي أن أستبدله بكتاب آخر أو مصحف، يستفيد منه عامّة الناس، وآخذ هذا الكتاب؟ علمًا أنه من الكتب التي وزعتها هيئة الأوقاف على المساجد، ضمن مجموعة من كتب العلوم الشرعية.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز بيع الحبس، ولا تغيير ما حبسه المحبس واستبداله بغيره، مادامت منفعته لم تنقطع، ومصرفه لم يتعطل؛ لأن شرط الواقف كنص الشارع، ما لم يخالف الشرع؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة:181]؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في صدقته: (أَمْسِكْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ)؛ وقول عمر رضي الله عنه بعد ذلك: “لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ” [النسائي:6432].
عليه؛ فلا يجوز للسائل أن يأخذ هذا الكتاب ويستبدله بغيره؛ لأن الاستبدال بيع، لكن إن كان الانتفاع به في المسجد قليلًا جدًّا، فيجوز نقله إلى أماكن يكون النفع به فيها أعم، ويحصل معه قصد الواقف، كمراكز الكتب والمكتبات العامة، كما يجوز لمن أراد استعارته مدّة لينتفع به في بيته ثم يردّه إلى المسجد أن يفعلَ ذلك، بعد أخذ الإذن من الجهات المسؤولة عن المسجد، في كلا الأمرينِ النقل والاستعارة، قال الونشريسي رحمه الله: “وَسُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَسُّون بنِ أَيُّوبَ المزجلدي رحمه الله عَن كُتُبٍ وَمَصَاحِفَ تُحَبَّسُ بِاسْمِ قَصْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمَسْجِدٍ هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا أَن يَمْضِيَ بِهِ إِلَى دَارِهِ يَقْرَأُ فِيهِ أَوْ يَنسَخُهُ وَيَرَدُّهُ. فَأَجَابَ: أَمَّا كُتُبُ الْعِلْمِ فَإِنَّـهَا مِنْ أَصْلِهَا مِن بَابِ الْحُبُسِ، فَوَضْعُهَا فِي مَكَانٍ بِعَيْنِهِ إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ تَعْرِيفُهَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفَائِدَةُ مَن يَصْلُحُ لَهُ النَّظَرُ فِيَها فِيهِ، فَإِذَا انتُفِعَ بِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي حَيْطَةٍ حَتَّى تُرَدَّ إِلَيْهِ فَمِا بِهِ بَأْسٌ إِن شَاءَ اللهُ، وَأَمَّا الْمَصَاحِفُ فَهْيَ عَلَى شَرْطِ مُحَبِّسهَا إِنْ عُرِفَ شَرْطُهُ، وَإِن لَمْ يُعْرَف فَتَوَلِّي مَن استغْنَى عنها أحْسَنُ، وَلَوْ أَنَّهَا بِمَكَانٍ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ وَالتَّغَيُّرُ لِقِلَّةِ السَّاكِنِينَ وَعَدَمِ الْمُتَفَقِّدِينَ، لَكَانَ النَّظَرُ عِندِي فِيهَا أَن تُؤْوَى إِلَى مَكَانِ حِرْزٍ لَهَا وَحُسْنِ انتِفَاعٍ بِهَا هُوَ أَوْلَى، وَهَذَا إِذَا نَظَرَ فِيهَا مَن يُرِيدُ السَّلَامَةَ، وَيَعْرِفُ وُجُوهَ النَّظَرِ الَّذِي يَسْتَبْقِي بِهِ مَا يَحْسُنُ لَهُ أَن يَصْنعَ فِيهَا”[المعيار المعرب: 7/37]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//ربيع الأول//1445هـ
17//09//2023م