بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى ( )
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نحن مؤسسة اليسر الخيرية، يأتينا الناس بزكواتهم ثقة بنا، فلا نألوا جهدا في إيصالها لمستحقيها، ومع هذه الجهود إلا أن الأموال تراكمت حتى بلغت مئات الآلاف؛ لأنه لا يمكن صرفها من غير تحرٍّ وتثبت، فهل يجوز أن نستثمر هذه الأموال؛ لتعود بالفائدة والنفع على الفقراء والمجتمع كله؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجب صرف الزكاة إلى أهلها، المذكورين في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60]، فالزكاة حق لهؤلاء الأصناف في مال الأغنياء، فما دام أحد من هذه الأصناف موجوداً، فالواجب أن يدفع حقه إليه؛ لأن المقصود منها سد حاجة الفقراء، وقضاء دين الغرماء؛ والاستثمار قد يفوت هذه المصالح، فيحجب المال عن مستحقه في حين هو محتاج إليه، وكذلك إذا حصلت خسارة للمشروع ذهب المال، أو تأخر كثيراً عن مستحقيه.
والذين أجازوا استثمار أموال الزكاة من العلماء المعاصرين، وبعض المجالس الفقهية، اشترطوا أن يكون ذلك بعد سد حاجة أهل الزكاة الماسة, فقد جاء في قرارات المجمع الفقهي: “يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية، تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين، وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسارة” [مجلة المجمع (العدد الثالث 309/1)].
وهذا الشرط غير متحقق؛ لأن المستحقين للزكاة من غير القادرين على الحصول على المسكن، أو غير القادرين على الزواج، أو عن سداد ديونهم، كثير، ويحتاجون إلى مئات الملايين لسد حاجاتهم، هذا على المستوى المحلي داخل كل بلد، فكيف ببلاد المسلمين الأخرى التي تعاني مجاعات، وفاقة شديدة، وحاجة للعدة والعتاد في الجهاد إلى غير ذلك، وإذا كان للسائل فائض من المال، ولم يعرف له مصرفا، فعليه أن يستعين بمن يعرف؛ ليرشده، والمصارف كثيرة. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا