حكم استخدام البرامج المهكرة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5754)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
منذ خمس عشرة سنةً قمتُ بتنزيل برنامج بطريقة غير قانونية، واستخدمته في عمل التصاميم، وكسبت من ورائه، والآن أريد أن أبرئ ذمتي مع الشركة الأمريكية صاحبة البرنامج، ولما أردت تسوية الوضع مع الشركة، وجدت أن نظامهم في بيع البرنامج تغير، كما أن للبرنامج خيارات متعددة، وبناء عليه يحدد سعره، وكنت أستخدم برنامج تصميم بتقنية 2D و 3D في البرنامج، ولكن استخدامي كان منحصرا في تقنية 2D، والبرنامج الذي يمتاز بخاصية التقنيتين أغلى سعرًا من الذي يمتاز بخاصية واحدة -كما هو المعروف- وقد توقفت عن استخدامه من عشر سنوات، لما علمت حرمة هذا العمل، والآن أريد أن أبرئ ذمتي، فكيف أفعل؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالبرامج المتاحة للناس لا يخلو؛ إما أن تكون محمية والحقوق فيها محفوظة لأصحابها، أو غير محمية ولا حقوق لأصحابها، فإن كانت غيرَ محميةٍ ومفتوحةً لعامة الناس للاستعمال، فإنه يجوز نسخها شرعا؛ لأن عدم حمايتها في قوة الإذن باستعمالها والإذن نسخها من قبل أصحابها.
وإن كانت هذه البرامج مشتملة على ما يدلُّ على أن حقوقها محفوظة، وأن نَسْخها غير مسموح به مجانًا، أو كانت محمية بأي وجه من وجوه الحماية، فإن تفصيل الحكم فيها لا يخلو؛ إمَّا أن تكون الجهة المالكة للبرامج غير محاربة للمسلمين، وإما أن تكون معادية ومحاربة لهم.
فإن كانت الجهة التي تملكها جهةً غيرَ محاربة للمسلمين، محميةً على وجه من وجوه الحماية المتعارف عليها بين المبرمجين، فملكية أصحابها لها محترمة شرعًا، ولا يجوز التعدي عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [المسند: 20695]، وسواء كان المالك لها مسلمًا أو غير مسلم، فقد قال النووي رحمه الله في شرح حديث: (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّار…)[مسلم: 1713]: “التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَازَ مِنَ الْكَافِرِ؛ فَإِنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُرْتَدِّ فِي هَذَا كَمَالِ الْمُسْلِمِ” [شرح صحيح مسلم: 12/6].
وبناء عليه فلا يجوز لأحد أن يستخدم هذه البرامج دون إذن لا لخاصة نفسه، ولا للنفع العام للمسلمين، وإذا استعملت هذه البرامج لأغراض تجارية ربحية، فالتغليظ في التعدي عليها أشد، والتحذير منه أعظم، فلا يجوز استعمالها إلا بعد دفع ثمنها، ولا يجوز اختراق حمايتها ولا قرصنتها من قِبَل المحترفين؛ لأنه اعتداء على حقوق الآخرين، فالحقوق المعنوية المتمثلة في جهود الناس وابتكاراتهم، هي في الحرمة كالحقوق المالية، ولأن شرط الحماية مما يجب الوفاء به، و(المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) [أبوداود: 3594].
أمَّا إن كانت هذه الجهة التي تملك البرامج محاربةً للإسلام والمسلمين، معلنةً العداء عليهم، فإن مال المحارب حينئذ لا حرمة له، ويجوز للمسلم أن يأخذه ويستعمله متى قدر على ذلك، ولكنه فَيْءٌ في بيتِ مال المسلمين، فلا يختص به من استولى عليه، وإذا كان بيت مال المسلمين غيرَ منتظم، فيجب إنفاق هذا المال في مصالح المسلمين العامة.
وعليه؛ فالقيمة التي تستحقها الشركة مقابل استخدام هذا البرنامج، على السائل أن يجتهد في تقديرها وينفقها في مصالح المسلمين العامة، ولا ترد إلى الشركة؛ لأنها شركة في بلد معاد للمسلمين، قاتل لأبنائه في فلسطين وفي غيرها، وأما البرنامج ذاته فقد صار بتنزيله من مال المسلمين، ولا يجوز للسائل أن يستخدمه في مصالحه الخاصة، بل يجب استعماله في المصالح العامة للمسلمين؛ لأنه في حكم الفيء، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24//صفر//1446هـ
28//08//2024م