طلب فتوى
البيعالصلحالغصب والتعديالفتاوىالمعاملات

حكم الأملاك المستردة وقانون الاكتفاء الذاتي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3151)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

نحن بعضُ العائلات مِن مدينة مصراتة، نملك أراضيَ متفرقةً في ما كان يسمى ببرية مصراتة، مثل طمينة، والجديدة، والكراريم، ومحيطها، حُولَ بعضُها إلى مزارعَ مشجرة بالزيتون، والباقي أرض فضاء، أنشأت الدولة عليها مزارع الاكتفاء الذاتي، وسلمتها للمواطنين بعقودِ انتفاع، وكانت إيطاليا قد استولت عليها سنة 1927م بدون وجهِ حق، علمًا بأن هناك من يدعي أنها بيعت للإيطاليين، وفي الشهادة العقارية الخاصة بها، الصادرة من مصلحة التسجيل العقاري سنة 1983م، لم يشيروا إلى سند إلحاقها بأملاك الدولة، إلا إبلاغهم مشايخ القبائل بذلك فقط، وكذلك مستندات الأراضي التي اشتراها الليبيون من الطليان، ليس فيها أن الإيطالي تملك بالشراء، بل بأمر ملكي من ملك إيطاليا، صادر في 1921م.

بعد الاستقلال رجع بعض الناس إلى أراضيهم بالفلاحة، دون أن يزال عنها الغصب إذا كان قد تحقق، واستمروا على هذا الحال إلى سنة 1978م، حيث قامت الدولة آنذاك بإنشاء مزارع الاكتفاء الذاتي بعقود انتفاع، وخَصصتْ أراضيَ أخرى لبعض الأشخاص ذوي النفوذ في الدولة.

فما حكم هذه الأراضي؟ هل تعتبر مغتصبة؟ وهل تؤول إلى الملاك الأصليين بحجج عرفية، تثبت شراءهم لها منذ زمن طويل؟ وهل ما صادرته حكومة محتلة غير مسلمة يعدُّ مغصوبًا، أو من المنافع العامة للدولة؟ وهل المدة الطويلة، التي بقيت فيها الأرض تحت تصرف من خصصت لهم، تفيدهم الحيازة والملك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فقبل السؤال عما قامت به الدولة عام (1978م)، ينبغي التثبت من واضعي اليد على المزارع في ذلك الوقت، فمن كان منهم مالكًا ملكًا شرعيًّا بشراء، أو إحياء، أو كانت الأرض في الأصل قد غصبَها منه أو من أجداده الإيطاليون، ولم يكن أجدادُه قد باعوا للإيطاليين، فمن كان كذلك فلا يحق للدولة أن تخرجه من أرضه، ويكون ما قامت به الدولة بموجب تلك القوانين، هو من استباحة ممتلكات الناس بالظلم، وكلّ ما حصل بموجب هذا القانون (الاكتفاء الذاتي) في ذلك الوقت داخلٌ في التعدي والغصب، ولا يثبت به ملك، إلا إذ عوّضت الدولة أصحاب تلك الأراضي، ورضيَ أصحابها بالتعويضات المعطاة لهم حينها، أما إذا لم تدفع الدولة لهم عوضًا، أو دفعت عوضًا بخسًا لم يرضَوا به، فلا يثبت به حق، ويبقى الحق لأصحابه، وكل ما حصل بموجب هذا القانون مِنْ تَمَلُّكٍ للأملاك بدون رضا أصحابها يعد باطلًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ مالُ امرئٍ إلا بطِيبِ نفسٍ منه) [أحمد:20695]، ونص العلماء على أن حكم الحاكم ينقض إذا خالف نص الشارع، ولا ينفذ حكمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) [أبوداود:3075، الترمذي:1378].

ومن كان له ملك مقدس أُخذ منه، وأُدخل ضمن المشروع الزراعي لِـما سُمي بالاكتفاء الذاتي، الذي تمّ توزيعه بعد ذلك على العاملين بالمشروع على وجه التخصيص؛ فإنه يجوز له أن ينتفع بما خُصص له، إذا كان الذي خُصّص له بالقدر الذي أُخذ منه، ولو لم يكن التخصيصُ في البقعة التي أُخذت منه بعينها؛ لأنه الممكنُ في استيفاء الحقوق ورفعِ الظلم، ومَن لم يكن له في أراضي المشروع ملك مقدس قبل الدمج، وأعطي شيئًا في أرض كانت مملوكة لأصحابها، بوجهٍ من وجوهِ التملك السابق؛ فلا حقّ له فيما خُصص له؛ لأنه أُعطي أرضًا مغصوبةً، وقد حرَّم الله الغصبَ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (مَن ظلمَ قيد شبرٍ من الأرضِ، طوِّقهُ مِن سبعِ أرضين) [البخاري:2453،مسلم:4144].

أما ما كان من هذه الأراضي مواتًا، لم يسبق لأحد تملّكه على وجهٍ مشروع، أو ملكه الإيطاليون بالشراء من أصحابه، ثم آل إلى الدولة الليبية بعد الاستقلال، ما كان كذلك؛ فما جرى فيه من التخصيصات مِن قبل الحكومات السابقةِ نافذٌ، ومن أعطي شيئًا مما ذكر (أي مما كان مواتًا، أو مِن المسترَدِّ وكان الإيطاليون ملكوه بوجه مشروع) فله أن يتصرفَ فيه بمقتضى العقد الذي أُبرمَ معه.

ولا يجوزُ لمن له حقّ مقدس في هذه المزارع – قبل دمجها فيما كان يُسمى بالاكتفاء الذاتي – استيفاءُ حقه بقوة السلاح؛ لما يؤدي إليه مِن الهرج، وسفكِ الدماء، وإشاعةِ الفوضى، ويجب على مَن له حجة تثبت ملكَه، ولم يخصَّص له شيءٌ في هذه المزارع، أو خصصَ له أقلّ مما كان يملكه؛ الرجوعُ في استردادِ حقه إلى القضاء، والمحاكم المختصة، والهيئاتِ الإدارية المخولة بذلك، ولا يجوزُ لأحد تغيير الوضعِ القائم بالقوة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد محمد الكوحة

أحمد ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

13/ربيع الأول/1438هـ

12/ديسمبر/2016م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق