طلب فتوى
الإجارةالبيعالفتاوىالمعاملاتقضايا معاصرة

حكم التعامل ببطاقة (تداول)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3524)

 

السادة/ شركة الراحلة للخدمات النفطية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة، وبعد:

فبالنظر إلى مراسلتكم بخصوص رغبتكم في التعامل مع الزبائن ببطاقة تداول، وسؤالكم عن حكم هذه البطاقة.

والجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنه بعد الاطلاع على الاتفاقية المبرمة بين شركة تداول للتقنية، التي تمثّل مزود الخدمة، وبين مصرف السراي للتجارة والاستثمار، الذي يقوم بإدارة المقاصّات بين حساب تداول ومستخدمي البطاقة، وأن هذه الاتفاقية تضم طرفاً ثالثاً يمثل المستفيد، الذي تسدّد عنه الديون من خدمات بطاقات الدفع الإلكتروني؛ تبين أن شركة تداول تملك حساباً لدى المصرف باسمها، تسميه الحساب التجمّعي، وكل من يريد الحصول على بطاقة تداول، عليه أن يقوم بإيداع المبلغ المطلوب لشحن البطاقة، كما جاء في الفقرة رقم (20) من العقد، والإيداع في الحسابات البنكية – كما هو متفق عليه الآن لدى فقهاء الشريعة والقانون – هو من قبيل القروض، فإيداعات المشتركين المال في حساب الشركة هي قروض في ذمة الشركة، ودينٌ عليها، حيث إنه يصير مملوكاً لها، تتصرف فيه لصالحها، تنمّيه ضمن أموالها، وتقرضه لغيرها، وتدفعه في ديونها، وتبيع به وتشتري ما تشاء، وهو مضمون عليها، وهذه حقيقة القرض؛ فليست الإيداعات معزولة عن مالها، مخصَّصة لأصحاب البطاقات، لا تجول فيها يدها، ولا تمتد إليها، فالدفع عند استخدام البطاقة لا يتم من المال المودع بعينه؛ بل عند الاستخدام تدفع الشركة للتاجر من مالها المبلغَ المطلوبَ، تُقرضه لصاحب البطاقة، ثم تجري المقاصّة بين ما لَها – مما دفعته عن المشتركين – وبين ما عليها من أموالهم وديونهم عليها، التي أودعوها في حسابها سلفاً، وقد ذكر الفقهاء نظير هذه المقاصة فيمن عجل ما أجل عليه من الدين، فقالوا: من عَجّل المؤجل عُدّ مسلفًا، فإذا جاء الأجلُ اقتضى من نفسه لنفسه[الشرح الكبير:30/3].

وعليه؛ ففي هذه المعاملة عدة محاذيرَ شرعية، بيانها في الآتي:

أولاً: العلاقة بين الشركة وبين حامل البطاقة هي علاقة إقراض، وهو إقراض بفائدة؛ لأن الشركة تقوم بالدفع عن حاملي البطاقات من مالها، عند استخدامهم للبطاقات، وتقوم في نهاية المطاف بمقاصّة بين الديون التي لها والديون التي عليها، وتأخذ على هذا الإقراض عمولاتٍ متعددةً – رسومَ إصدارٍ ورسومَ اشتراكٍ وخصماً من الرصيد قدرُه ثلاثةٌ بالمائة – وهي ليست عمولةَ خدمةٍ قاصرةً على التكلفة الفعلية؛ بل عمولةُ تربُّحٍ تزيد بزيادة المبلغ، والعمولةُ على القرض والتربحُ منه من الربا المحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) [مسلم:1584].

ثانياً: إذا ذهبنا إلى أن العقدَ بين الطرفين عقدُ حوالةٍ – يُحيل فيه صاحبُ البطاقة الدَّيْنَ الذي عليه من التاجر إلى مدينِه وهو الشركة – أو أن العلاقة بين الطرفين علاقةُ وكالةٍ بأجرة، وكَّل فيها حاملُ البطاقة شركةَ تداول بأن تسدِّد عنه لدى التاجر الذي سيشتري منه، على أن يردَّ صاحبُ البطاقة إلى الشركة ما سددته خلال فترة لاحقة، وأن العمولة التي تأخذها الشركة هي أجرةٌ على الوكالة – وهي غير ممنوعة – لو حُمل العقدُ على أنه توكيلٌ أو عقدُ حوالة؛ فإنه يترتب عليه المحاذير الآتية:

المحذور الأول: أن الوكالة هي نيابةٌ في الأداء، وليست نيابةً في التحمُّل، والحاصل هنا هو نيابةٌ في التحمل وليس في الأداء فقط؛ لأن التاجرَ عندما قَبِل مداينةَ حاملِ البطاقة – وهو لا يعرفه – لم يقبلها فقط بسبب أن شركة تداول نائبةٌ عن صاحب البطاقة في الأداء، وإنما قَبِل مداينتَه لأن الشركة ملتزمة بالتحمُّل، بدليل أنه إذا أحضر معه بطاقة تداول منتهية الصلاحية لا يقبل التاجرُ معاملتَه، ولا يُسلمه السلعةَ من غير دفع، فذمّةُ الشركة في الواقع هي مشغولةٌ بالديْن الأصلي الذي على العميل، وهذه حقيقة الضمان، فهو ضمُّ ذمةِ الكفيل إلى ذمة الأصيل في الدَّيْن، وإذا كان التاجر هو المضمونَ له، فمَن المضمونُ عنه إن لم يكن حاملَ البطاقة؟! ومَن الضامنُ إن لم يكن شركةَ تداول؟! فرجعتِ العلاقة بين حامل البطاقة وبين شركة تداول – بأخذها للعمولة – إلى ضمان بجُعْلٍ، وهو محرّم؛ لأنه يؤول إلى سلف بفائدة.

المحذور الثاني: إذا اعتبرنا أن ما تقوم به الشركةُ وكالة بأجرة، فقد اجتمع في العقد بيع وسلفٌ، أما السلف فهو إيداع المشتركِ المالَ في حساب الشركة؛ لأنه صار في ذمّتها ومضموناً عليها كما تقدم، وأما البيع فمن جهة أن الاتفاق على دفع الأجرة للوكيل يعد عقد إجارة، والإجارة – كما هو معلوم – معدودة من البيوع بالمعنى العام؛ لأنها بيعٌ للمنافع، وهي كبيع الرقاب والأعيان في البيع بالمعنى الخاص، فاجتمع بذلك في العقد بيع وسلف، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن بيع وسلف) و(عن بيعتين في بيعة) [الموطأ:2424،:2444].

ثالثاً: حمل العقد على الحوالة لا يصح؛ لأن الحوالة مستثناةٌ من بيع الدين بالدين، المنهي عنه لأجْل المعروف، كما استُثني القرضُ من قاعدة الربا للمعروف، فإذا اشترط أحد الأطراف عمولةً على الحوالة خرجت عن المعروف، ورجعت إلى أصلها وهو المنع؛ لأنها بيع دين بدين، كما لو اشتُرطت العمولة في القرض، فإنه يصير من السلف بفائدة، ويرجع إلى المنع.

رابعاً: هناك في عقد شركة تداول شرطٌ فاسد، بفرض غرامة مجهولة المقدار، هذا الشرط يجب حذفه من العقد، وإلا كان العقدُ فاسداً، والإقدامُ عليه محرماً؛ لما فيه من أكل المال بالباطل، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهالة وعن الغرر في العقود [مسلم:1513]، ونص هذا الشرط: (في حال إلغاء العقد بدون مبرر من قبل أيٍّ من الأطراف، يجب تعويض الطرف المتضرر عن مصاريفه والتكاليف التي تكبّدها نتيجة التزامه بتنفيذ هذا العقد)، فهذا الشرط يتضمن غرامةً مفروضة على المشترك، إذا لم يرغب في الاستمرار في المعاملة، وفرضُ غرامة على من يرغب في إنهاء تعاقد بين طرفين لم يضرب له أجل غيرُ مشروع، ويعدّ من شروط الإكراه والإذعان، وهي لا تجوز، فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء:29]، ثم إن الغرامة في ذاتها غير محددة في العقد، بل مقدرة بالتكاليف التي تكبدها الطرف المتضرر، وهو في الغالب الشركة التي فرضتْها، وقد تكون مجحفةً وثقيلة غير متوقعة، فتكون من الجهالة في العقود التي تؤدي إلى الخصام، وتفسد العقود، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

                                                                              

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

01/رجب/1439هـ

19/مارس/2018م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق