بسم الله الرحمن الرحيم
بيان دار الإفتاء حول الاغتيالات والتفجيرات الأخيرة
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: )وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ( وقال سبحانه وتعالى:)مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا(.
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل رجلٍ مسلمٍ) [رواه الترمذي، والنسائي], وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم: أن أهل السماوات والأرض لو اشتركوا في قتله لعذبهم جميعاً في النار، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأكبهم الله في النار) [رواه الترمذي].
ودار الإفتاء الليبية إذ تتابع ببالغ الأسى أخبار الاغتيالات والتفجيرات التي تحدث في البلاد هذه الأيام فإنها :
أولاً: تدين إدانة شديدة هذه الجرائم البشعة مهما كانت أسبابها, ودوافعها, خصوصا إذا استهدفت شخصيات عرف تضامنها مع الثورة من أول أيامها، كما حدث أخيرا في بنغازي، بل حتى من كان متورطًا في التعاون مع النظام السابق, بأي صورة من صور التعاون والفساد؛ فإنه لا يجوز شرعا لفرد أو جهة أيا كانت أن تقتله غيلة أو غدرا، أو تقتص منه؛ فإن القصاص وإقامة الأحكام في شرع الله تبارك وتعالى باتفاق الأمة لا يكون إلا عن طريق القضاء, بعد رفع الدعاوى والنظر في البينات، وما عدا ذلك مما يقوم به بعض الأفراد أو الجماعات بتتبع المتهمين واغتيالهم هو من التعدي والظلم واتباع الهوى؛ قال الله تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) (المائدة آية 49)، وقال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه) الطلاق آية 3، وقال صلى الله عليه وسلم لمن اتهم رجلا بأنه أخذ ماله: (بيّنتك أو يمينه) فقال صاحب الحق إنه لا بينة له، وإن الرجل فاجر يحلف ولا يبالي، فقال له النبي e: (ليس لك منه إلا ذاك) [صحيح مسلم] ، وذلك ليضع حدا للتعدي والتشفي الذي لا يكون سبيله حكم القضاء والنظر في البينات، وقد اتفقت الأمة على أنه حتى القاضي والحاكم لا يحل له أن يحكم بعلمه في مسائل الدماء دون إقامة البينات المقبولة والإعذار فيها.
هذا بالإضافة إلى ما تحدثه هذه الاغتيالات والتفجيرات من الآثار السلبية, التي تُحدث ضررا بالغا بالثورة, ومسيرتها, وما تعطيه من ذريعة لأعدائها المتربصين بها في الداخل والخارج للتدخل بشركاتهم الأمنية, واستخباراتهم؛ لزعزعة الأمن واستقرار البلاد، خصوصا إذا ألصقت تهم هذه الاغتيالات بجماعات إسلامية؛ فإنها تسيء إساءة بالغة إلى الإسلام وأهله, ويكون أصحابها ممن سن في الإسلام سنة سيئة عليه وزرها ووزر الآثار الضارة على الإسلام المترتبة عليها إلى قيام الساعة.
ثانياً: تحث دار الإفتاء المؤتمر الوطني العام والحكومة على تحمل مسؤولياتهم الكاملة حول ما يحدث من اغتيالات وجرائم بشعة تجاه بعض المواطنين، واتخاذ ما يلزم لبسط الأمن في البلاد, وملاحقة الجناة, والقبض عليهم, وتقديمهم إلى العدالة, وإعلان نتائج تلك التحقيقات بنزاهة وشفافية تامة.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ البلاد من الفتن ما ظهر منها وما بطن, وأن يجمع كلمة الأمة على الحق.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم