بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (795)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم الجلوس للتعزية، وإعداد الولائم، وما يعرف بالتاليف؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن التعزية مشروعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) ]رواه الترمذي وابن ماجة[، ولما فيها من تصبير المصاب وتسليته، وذلك ممّا يؤجر عليه المسلم، أما الجلوس للتعزية، والتصدي لها، مع صنعة الطعام والولائم، فهو منهي عنه؛ لقول جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: (كنّا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة)] رواه ابن ماجة[، وأكثر العلماء يكرهون أن يجتمع أهل الميت في بيت، ويعملون مأتماً؛ ليقصدهم من يريد تعزيتهم، بل ينبغي لهم أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفه عزّاهم في الطريق، أو في السوق، أو في محل عملهم، قال أبوبكر الطرطوشي: (قال علماؤنا المالكيون: التصدي للعزاء بدعة ومكروه، فأما إن قعد في بيته، أو في المسجد محزوناً من غير أن يتصدى للعزاء، فلا بأس) [الحوادث والبدع: 327]، ومن العلماء من جوّز الجلوس للتعزية بشرط عدم وجود محذور؛ من فرش البسط، والإضاءة، والضيافة، والمفاخرة، وغير ذلك، فالمسألة محل اجتهاد، ولايضيَّق على الناس بالإنكار في مسائل الخلاف والاجتهاد، ما دام الاختلاف والاجتهاد مشهوراً بين العلماء، وليس قولاً شاذّاً، أمّا صنع الولائم من أهل الميت؛ ليجتمع عليها الناس، فهو بدعة مكروهة؛ لما صحّ عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: (كنّا نرى الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة) ]رواه ابن ماجة[، فإذا صنع الناس الطعام لأهل الميت؛ لكونهم أتاهم ما يشغلهم، فلا بأس به، ما لم يجتمع أهل الميت على النياحة وإلا حرُم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ)] رواه أحمد والترمذي[، وأما فعل ما يعرف بالتاليف، إذا كان بدعوة الناس إلى الاجتماع على الطعام ليأكلوا بالذكر والقرآن، فهذا منهيٌ عنه؛ لأنه لم تمض به سنّة، ولم يؤثر عن السلف رضوان الله عليهم فعلُه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستأثروا به)] رواه أحمد والبزار[، والله أعلم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم