طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

حكم الحبس على النفس تقليدا لمذهب أبي حنيفة

بسم الله الرحمن الرحيم

رقم الفتوى (349)

 

             ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

          كيف يقسم الحبس المرفق، وقد نص فيه الواقف أنه وقفه على نفسه تقليداً لمذهب أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثم على ذكور أولادهم، ثم على ذكور أولادهم، وهكذا، وللبنات الانتفاع والاستغلال ما دامت فقيرة، فإذا انقطع الذكور رجع للبنات من عقبه، فإذا انقرضوا ولم يبق لهم عقب، رجع وقفاً على جامع القصر محل الخطبة بالحشان ساحل محروسة طرابلس؟

             الجواب:

             الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

             أما بعد:

            فالتحبيس على النفس باطل عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال في شرح مختصر خليل: (ومعناه: أن الحبس على النفس باطل؛ لأنه قد حجر على نفسه وعلى ورثته بعد موته، وكذلك يكون الوقف كله باطلا إذا وقف على نفسه وعلى غيره ولم يحز عنه قبل موته، أما إن حيز عنه قبل موته، فإنما يبطل ما يخص الواقف فقط، ويصح ما يخص الشريك، ويكفي حوز حصة الشريك في صحة وقفها حيث تعينت، كأن يقف دارين على نفسه وعلى شخص على أن له إحداهما معينة والآخر الأخرى)، ولكن لما نص الواقف على تقليده لبعض المذاهب المعتبرة لم يصح نقضه ويمضي على ما فيه.

          والحبس على الذكور دون الإناث، هو محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم” (البخاري:2587)، وفي المدونة روى ابن وهب عن محمد بن حزم أنه حدث عن عمرة بنت عبدالرحمن أنها ذكرت أن عائشة رضي الله عنها – إذا ذكرت صدقات الناس اليوم وإخراج الرجال بناتهم منها تقول: ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (المدونة: 423/4)، وقال الإمام مالك في رواية عنه: “إنه من عمل الجاهلية” (شرح الخرشي: 88/5)، وهو اختيار الشيخ خليل في المختصر، قال: “وحرم – أي الوقف – على بنيه دون بناته”، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس على الذكور دون الإناث تم إلغاؤه بصدور فتوى من مفتي الديار الليبية السابق الشيخ الطاهر الزاوي – رحمه الله – سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه، عليه؛ فإنه كما كان يبقى لا يعمل به شرعاً ولا قانوناً؛ لما في ذلك من التحايل على حرمان المرأة من الميراث، والوقف على المسجد لم يسلمه الواقف، ولم يجز عنه حتى مات، فهو وصية من الوصايا تخرج من ثلث المال، فتجعل الأرض المذكورة حبساً للمسجد إن كانت تساوي قيمتها ثلث مال الميت فأقل، فإن زادت على ثلث التركة فالأمر في القدر الزائد منها على ثلث التركة إلى الورثة إن شاءوا أمضوه وإن شاءوا ردوه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص، وقد أراد أن يتصدق بماله: “الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ” (مسلم: 1628).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                         مفتي عام ليبيا

25/شعبان/1433هـ

2012/7/15

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق