بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5388)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا متزوج من سنة 2009م، ولي خمسة أولاد، وفي أول الأمر كانت الحياة مستقرةً بيني وبين زوجتي، إلَّا أنه في الآونة الأخيرة تغيَّرت الأحوال، فزادت المشاكل بيننا، وأصبحت تصرفات زوجتي غير طبيعية (تصل إلى حد الجنون)، كاختلاقها للمشاكل، وشتمي، والتقليل من شأني أمام أبنائي، بل ومحاولة ضربي في بعض الأحيان بأي شيء في يدها، ووصل الأمر بها إلى سبِّها الدين، وقذف والدتي، وطلبِ الطلاق من غير سبب شرعي، مع تقصيرها في حقوقي كهجرها للفراش، وخروجها من البيت بغير إذني، فعرضتُها على بعض الرقاة للنظر في أمرها، فأكَّدوا لي أنَّ بها عارضًا من سحر تصفيح -تبيَّن أنه كان قَبل زواجي منها، وأنه من عمل والدتها، ولم يُعلمني به أحد من أهلها- ومع ذلك صبرتُ عليها وسعيتُ في علاجها، إلَّا أنها كانت معرضةً عن الرقية، بل وتوقَّفَت عن أداء الصلاة، وهي على هذه الحال من إيذائي، وتنقُّصِها من رجولتي، وطلبها الطلاق، مع العلم أني تواصلتُ مع أهلها لإيجاد حل لهذه المشكلة، فلم يتعاونوا معي، وكان ردُّهم أن أُحضِرَها إليهم، فهل يجب عليّ البقاءُ معها والحال ما ذكر؟ أم أرفع أمري للقضاء للتفريق بيننا؟ وهل خروجها بغير إذني وإيذاؤها لي وتقصيرها في حقوقي يعدّ نشوزًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال كما ذُكر من الأذى الحاصل من المرأة على زوجها، ولا يريد أن يصبر عليها رجاء أن ينصلح أمرها فله الحق في طلاقها، وإذا كانت المرأة بها مرض أو مس كما ذكر في السؤال فمن حُسن العشرة أن يصبر الزوج على زوجته في مرضها، وأن يسعى في علاجها بالطرق المشروعة، وأن لا يتسرع في إيقاع الطلاق؛ حفاظًا على أولاده من التشتت والضياع، كما أنه يحرم على الزوجة أن تطلب الطلاق مِن غير سبب شرعيّ يدعو له؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا ِفي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) [أبوداود:2226].
وإذا اختار الزوج الطلاق – بعد استنفاد كل محاولات الإصلاح – فإنه لا يحتاج لرفع أمره إلى القاضي، وله أن يوقعه بنفسه؛ لأنّ العصمة في يده. إلا إذا أراد أن يطلقها نظير عوض، ولم يقدر على ذلك إلا عن طريق القضاء، فله أن يرفع أمره.
وأما خروج الزوجة بغير إذن زوجها، وهجرها له في الفراش، وعدم احترامها له، فلا شكَّ أنه نشوز؛ لكن هذا الحكم في الزوجة الصحيحة، بخلاف ما ذُكر في السؤال من أنَّ الزوجة تعاني من السحر، وأنها تتصرف في بعض الأحيان كالمجانين، فلا يكون ما فعلته نشوزًا؛ لارتفاع التكليف عنها في هذه الحالة.
وعلى الزوجة أن تعرف أن سب الدين ردة تحبط الأعمال وتخرجها عن الملّة، ويترتب عليها فراقها وتطليقها من زوجها، قال تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]، وقال تعالى ﴿وَمَنْ يَّرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهْوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. [البقرة: 217].
وكذلك ترك الصلاة من كبائر الذنوب فعليها أن تتوب إلى الله من ذلك، وتكفّ عنه، والعبد إذا ابتُلي فإنه أحوج ما يكون إلى لطف الله ورحمته، وهذا لا يتأتى إلا بالتقرب إليه سبحانه بأداء ما افترضه عليه، وترك ما نهاه عنه، لا أن يُبارِزَ الله بالمعاصي وترك الواجبات، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07//جمادى الأولى//1445هـ
21//11//2023 م