حكم الصلح على الدية مع أهل الجاني في مقابلِ أخذ تعويض التأمين التجاري
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5377)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي أخي بحادث سيرٍ، وطلب والدي من أهلِ الجاني الدية، فتعذّروا بعدم القدرة على تسديدِ أيّ مبلغٍ له، وأنّ ليس عندهم إلاّ التأمين، فتصالح معهم والدي على أخذ التأمين وتنازلَ على الدية، واستلم صكوك التأمينِ، وبعد ذلك علم أنّ التأمين من العقود الباطلة المحرمة، فكيف يتم التصرف في هذا المال؟ وهل لوالدي حق طلب الدية من أهل الجاني مجددًا وإلغاء التنازل، حيث كان التنازل مبنيًّا على عوض التأمين؟ مع العلم أنّ أخي ترك زوجةً وابنًا صغيرًا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الصلحَ على الديةِ مع أهل الجاني في مقابلِ أخذ التأمين باطلٌ، وغير لازم؛ لأنّ التعويضَ المدفوع من قبل التأمين التجاري لا يجوز أخذُ شيء منه، والصلح إذا وقع على وجه غير جائزٍ لم يلزم؛ لقول النبي رحمه الله: (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) [الترمذي:1352]، وقال الصاوي رحمه الله: “الصُّلْحُ جَائِزٌ… إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى حَرَامٍ، فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ حَرُمَ..” [حاشية الصاوي:3/406].
وبعد الوقوع والنزول فعلى أولياء المجني عليه التخلص من مال التأمين في مصالح المسلمين العامة؛ لأنّ عقد التأمين من عقود المعاوضات المالية، المشتملة على الغرر الفاحش؛ إذ لا يستطيع المتعاقد مع الشركة أن يعرف وقت العقد مقدارَ ما يعطِي، وما يأخذُ، وهو من المقامرة التي حرمها الله عز وجل، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 9(9/2): “…أَنَّ عَقدَ التَّأمِينِ التِّجَارِي ذِي القِسْطِ الثَّابِتِ الذِي تَتَعامَلُ بِهِ شَرِكاتُ التَّأمِينِ التِّجَارِي عَقدٌ فِيهِ غَررٌ كَبيرٌ مُفْسِدٌ لِلْعَقدِ. وَلِذَا فَهْوَ حَرامٌ شَرْعًا”.
وعلى ولي المجني عليه الرجوع على أهل الجاني بالدية، وتكون في عاقلته.
وإذا لم توجد العاقلة التي تتحمل الدية فلهم أن يتصالحوا على أي قدر من المال إذا رضي به أولياء المجني عليه.
والصلح على القُصّر يجوز إذا كانوا محتاجين أو خِيفَ أنّهم إذا لم يصالح عنهم الوصي لم يتحصلوا على شيء، نقل ابن أبي زيد عن أشهب رحمه الله قال: “وَأَمَّا إِن كَانَتِ الدِّيَةُ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ في سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنَ الْعَاقِلَةِ لِلصَّبِيِّ مَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَفِيهِ لَهُ مَصْلَحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْلَغَ الدِّيَةِ إِذَا خِيفَ فِي اتِّبَاعِهِم بِهِ ضَيَاعُ ذَلِك، وَإِن كَانَتِ الْعَاقِلَةُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهِمْ كَامِلاً مُؤَجَّلاً أَحْظَى لِلصَّبِي لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ” [النّوادر والزّيادات: 114/14] .
وإذا تصالحوا على شيء فيجب دفعه معجّلاً دون تأجيل ولا تقسيط؛ لما يترتب على التأجيل في الصلح عن الدية من الصرف المؤخّر أو فسخ ما في الذمة في مؤجل إن قدّرت الدية من الإبل، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدايم بن سليم الشوماني
عبدالعالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29//ربيع الآخر//1445هـ
13//11//2023م