بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5443)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تخاصمتُ مع زوجتي، فقلت لها: “عليَّ اليمين أنتِ طالق كان مشيتي مع فلانة”، ثم ذهبتْ معها بالفعل، فهل الطلاق واقع؟ مع العلم أني أوقعت طلقتين سابقًا، وإن كان الطلاق واقعًا؛ فما هي حقوقُها عليّ؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الطلاقَ المعلقَ على شيءٍ، يقعُ بوقوع المعلَّق عليه؛ لما جاء عن نافع رحمه الله أنه قال: “طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَر رضي الله عنهما: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ” [البخاري: 7/45].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر؛ فقد وقع الطلاق بفعل الزوجةِ المحلوفَ عليه، وهو خروجها مع فلانة.
وحيث إن هذه الطلقة هي الطلقة الثالثة؛ فقد بانت الزوجة من زوجها بينونة كبرى، فلا تحلُّ له حتى تنكح زوجًا غيره، قال تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ) [البقرة: 230]، وتستحق المطلقة بائنا من زوجها القدر الذي لم تقبضه من الصداق المسمى، المعجل منه والمؤجل، كما تستحق ما يوجد في بيتها مما يختص به النساء عادة، كالحلي ولباس النساء، وما هو من شأنهنَّ، ولها الحق في السكنى بعد الطلاق حتى تنتهي عدَّتها، لقوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ) [الطلاق: 1]، ولا حقَّ للبائنة في النفقة والكسوة مدة العدة ما لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا وجبت لها النفقة والكسوة إلى وضع الحمل، قال تعالى: (وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ) [الطلاق: 7]. قال الدردير رحمه الله: “(أَوْ بَانَتْ) بِخُلْعٍ أَوْ بَتَاتٍ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا” [الشرح الكبير: 2/514]، أي ما لم تكن حاملا.
وينبغي للمُطلِّق أن يدفع لمطلَّقَتِهِ متعة الطلاق، وهي قدر من المال يعطيه لها تطوعا منه، تعويضا لها وجبرًا لخاطرها، لأمر الله تعالى بها في قوله سبحانه: (وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ) [البقرة: 241]، والأمرُ بها محمول على الاستحباب عند المالكية، وهي مقدرة بالاجتهاد، قال القرافي رحمه الله: “وَهْيَ عِنْدَنَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ بِوُجُوبِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَتِّعُوهُنَّ)، وَقَوْلِهِ: (وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ)، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ” [الذخيرة: 4/448]، أمَّا مقدارها؛ فقد قال ابنُ عبد البر رحمه الله: “وَهْيَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَلَا مَحْدُودَةٍ، لَا مَعْلُومٌ مَبْلَغُهَا، وَلَا مَعْرُوفٌ قَدْرُهَا مَعْرِفَةَ وُجُوبٍ، بَلْ هِيَ عَلَى الْمُوسِعِ بِقَدْرِهِ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ أَيْضًا بِقَدْرِهِ، مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَ اللهُ تعالى” [الاستذكار: 17/276].
ويجبُ على المطَلِّق نفقةُ حضانةِ الأبناءِ، إنْ كان له من مطلَّقته أبناء، الذكور إلى البلوغ، والنساء إلى الدخول بهن من الأزواج، وتقدير النفقة يُرجَعُ فيه إلى المحكمة، وإلى المعمولِ به في القضاء، والحضانة حقٌّ للأم لا يجوز للأب أن ينتزعه منها بغير سبب مشروع، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//جمادى الآخرة//1445هـ
31//12//2023م