بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3583)
السيد/ رئيس القلم بمحكمة باب بن غشير الجزئية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، أما بعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم التي جاء فيها: تنفيذًا لقرار المحكمة الصادر بتاريخ 2017/8/20م، في الدعوى المرفوعة من (ض) ضدّ (ح) بشأن تعديل وصف الطلاق، والذي قضت فيه بمراسلة دار الإفتاء لموافاتنا بالرأي الشرعي؛ لأن طرفي الدعوى قد مثلا سابقًا أمام هذه المحكمة بتاريخ 2016/7/17م، لإثبات صحة الطلاق الثالث، الذي أوقعه المدعي على زوجته المدعى عليها بتاريخ 2017/5/26م، وحكمت المحكمة بثبوت وصحة الطلاق، باعتباره الطلاق الثالث الواقع بينهما، والبائن بينونة كبرى (مرفق صورة منه) ثم رغب طرفا الدعوى في الرجوع، وطلبا من المحكمة تعديل وصف الطلاق من البينونة الكبرى إلى الصغرى؛ لأن الزوج أوقع الطلاق الثالث وهو في حالة غضب شديدٍ لا يُعتدّ به، كما جاء في صحيفة الدعوى (مرفق صورة منها).
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الطلاق عند الغضب يقع ويلزم، ولو كان الغضب شديدًا، إن كان المطلِّق وقت غضبه يعي ما يقولُ؛ لحديث خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت رضي الله عنهما: أنها راجعت زوجها، فغضب، فظاهر منها، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت تشكو إليه ما تلقى من سوء خلقه، فأنزل الله آية الظهار، (وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة) [أحمد:27319]، فألزمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتكفير عن الظهار، الذي أوقعه في حال الضجر والغضب، ولم تسقط عنه الكفارة، والطلاق كالظهار.
وأما إن كان المطلق لا يعي ما يقول، ولا يشعر بما صدر منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنه حينئذ في حكم المجنون فاقد العقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتَلم، وعن المجنونِ حتى يَعقل) [الترمذي:1423]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغلاقٍ) [أبوداود:2193، ابن ماجه:2124]، وقال الصاوي رحمه الله: “يلزم طلاق الغضبان، ولو اشتد غضبه، خلافًا لبعضهم، وكل هذا ما لم يغبْ عقله، بحيث لا يشعر بما صدر منه، فإنه كالمجنون” [بلغة السالك:350/2].
وقد حضر طرفا القضية (ض) و(ح) إلى دار الإفتاء، وبعد سؤالهما عن الحالة التي أوقع فيها الزوج الطلاق، ذكرا أنّ الطلاق الثالث صدر من الزوج حال الإغلاق وغياب العقل، فإن كان الحال كما ذكرا فالطلاق لا يقع، ولا يحتاج إلى رجعة، ولا إلى عقد جديد، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
حسن سالم الشريف
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28/شعبان/1439هـ
14/مايو/2018م