طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوىالنكاح

حكم الطلاق حال الغضب الشديد من غير إدراك

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5470)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

تشاجرتُ مع زوجتي سنة 2021م، فطلقتها وأنا في حالة غضب شديد، وكنت نائما فلم أعِ ما قلتُ حتى أخبرتني هي، فسألت شيخا حينها فأفتاني بعدم وقوع الطلاق، وفي عام 2022م اختلفنا، فقلت لها: “بري أنت طالق”، ثم أرجعتُها بعد أيامٍ بحضور شاهدين، ثم في ذات العام طلقتها مرة أخرى بقولي: “أنت طالق” فذهبتْ إلى بيت أهلها ولم أرجعها حتى الآن، ومضى على ذلك أزيد من عام، فما هو الحكم الشرعي في الطلقة الأولى؟ وهل يجوز لي إرجاع زوجتي؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن العقل هو مناطُ التكليف والمؤاخذة بالأقوال والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعي ما يقول، ويقصد ما تكلم به؛ فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلق شديد الغضب وقت الطلاق، إلى درجة لا يعي فيها ما يقول، ولا يشعر بما صدر منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنه صار في حكم المجنون فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يَفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ، خِلَافاً لِبَعْضِهِمْ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [بلغة السالك: 2/351].

وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، من أن السائلَ لم يكن واعيا حين أوقع الطلاق؛ فإنه لا يلزمه، وإنما تلزمه الطلقتان اللاحقتان بعد ذلك، وحيث إنه لم يُرجع زوجته بعد الطلقة الثانية حتى خرجت من العدة؛ فقد بانت منه زوجته بينونة صغرى، ولا يحلّ له إرجاعها إلا بعقد جديد، بوليٍّ وصداق وشاهدين، قال القرطبي رحمه الله: “فَإِن لَمْ يُرَاجِعْهَا الْمُطَلِّقُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَهْيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِخِطْبَةٍ وَنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ، بِوَلِيٍّ وَإِشْهَادٍ، لَيْسَ عَلَى سُنَّةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ” [الجامع لأحكام القرآن: 5/448].

وليعلم الزوج أن وقوع الطلاق عليه من عدمه متوقفٌ على صدق ما أخبر به، من عدم إدراكه لما وقع منه، من التلفظ بالطلاق في المرة الأولى، أما إن كان مدركا حينها لما وقع منه من الطلاق؛ فإن هذه الفتوى لا تفيده؛ لأنها بُنيت على إخباره بعدم إدراكه، فإذا كان الواقع غير ذلك وكان مدركا فالطلاق لازم له، والفتوى لا تصلح له، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

04//رجب//1445هـ

16//01//2024م  

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق