طلب فتوى
الفتاوى

حكم القتال مع الأوكرانيين ضد الروس بنية التخلص من الاحتلال الروسي للشيشان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5403)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكم القتال مع الأوكرانيين ضد الروس، بنية التخلص من الاحتلال الروسي للشيشان؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فلا يجوز للمسلم المشاركة في المعركة الدائرة بين روسيا وأوكرانيا؛ لأن كلا الرايتين راية كفر، لا يحل للمسلم أن يقاتل تحتها ويأتمر بأمرها، فالله تعالى يقول: (‌وَلَنْ ‌يَّجۡعَلَ ‌ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء:141]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ قَاتَلَ ‌تَحْتَ ‌رَايَةٍ ‌عِمِّيَّةٍ… فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) [مسلم: 1848].

ونية المسلم تحريرَ أرضه من الروس غير واردة هنا؛ لأنه لا يقاتل تحت راية مسلمة مستقلةٍ، اتفق عَرَضًا أن تلتقيَ مصلحتها مع مصلحة الكفار، بل يقاتلُ تحت رايتهم، يستغلونه لتحقيق منافعهم، ولا يملك في الحرب أمرًا ولا نهيًا، ولا نقضًا ولا إبرامًا، قال الجصّاص رحمه الله معلقًا على قول أبي جعفر رحمه الله: “وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ الاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْغَالِبَ”، قال: “وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْكُفْرِ إِذَا كَانَ هُوَ الْغَالِبَ، فَالْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ إِذَا حَصَلَا، كَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الظَّاهِرَ، فَصَارَ ذَلِكَ قِتَالًا لِإِظْهَارِ حُكْمِ الْكُفْرِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الْقِتَالُ عَلَى إِظْهَارِ حُكْمِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ الْقِتَالُ لِإِظْهَارِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ الْعُلْيَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ ‌يُقَاتِلُواْ ‌مَعَ ‌الْكُفَّارِ” [شرح مختصر الطحاوي: 7/192].

وإذا كانت راية القتال للمسلمين ففي المسألة وجهان، الأول: أنه يجوز أن يستعان بهم في قتال الكفار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ ‌بِالرَّجُلِ ‌الْفَاجِرِ) [البخاري: 4203]، قال ابن بطال رحمه الله في تفسير لفظ الفاجر: “يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ” [شرح البخاري: 5/222]، ولاستعانة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حروبه بغير المسلمين.

الثاني -وهو المشهورُ من المذهب-: حرمةُ الاستعانة بالكفارِ في قتال الكفار، قال الشيخ خليل رحمه الله: “وَلَا يُسْتَعَانُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ إِلا أَنْ يَكُونُوا ‌نَوَاتِيَةً أَوْ خَدَمًا؛ لقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (‌وَلَا ‌تَتَّخِذُواْ ‌مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا) [النساء: 89]، وَلِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْيَهُودِيِّ الّذِي اتَّبَعَهُ: (ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)” [التوضيح: 3/410].

بل لو خرجوا لإعانتنا من عند أنفسهم دون أن نطلبهم، لوجب ردهم على ما ذهب إليه أصبغ، حيث قـال: “يُمْـنَعُونَ مِـنْ ذَلِكَ لِـوَجْـهَـيْنِ: لِـقَوْلِ الـنَّـبِىّ صلى الله عليه وسلم: (لَـنْ أَسْتَـعِـيـنَ بِـمُـشْرِكٍ)، وَلِـوَجْـهٍ آخَرَ أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْغَلُولَ وَغَيْرَهُ، وَلَا يُجَاهَدُ الْعَدُوُّ إِلَّا بِسُنَّةٍ وَإِصَابَةٍ” [النوادر والزيادات: 3/200]، هذا في الاستعانة بهم وحكمُ الإسلام هو الغالب وكلمته هي النافذة، فالمنع إذا كانت الغلبةُ والقهرُ لهم أولى.

ثم إن غاية ما يحرزه المسلم من المشاركة -إن تحقق رجاؤه- الخروجُ من التبعية لروسيا إلى التبعية لأوكرانيا ومِن ورائها الغرب، وليس هذا من المقاصد الشرعية التي يُقاتَل لأجلها، ولو أن المسلمين قاتلوا تحت رايتها وقُتِل منهم عدد، ثم رأتْ أن تعقدَ مع روسيا صلحًا؛ لما استطاع المسلمون منعه، والمضيَّ في تحرير أرضهم، بل لو كان ثمن الصلح تسليم مَن في صفوفهم من المسلمين؛ لمَا استطاعوا أن يدفعوا عن أنفسِهم.

عليه؛ فلا يجوز اشتراكُ المسلمين الشيشان ولا غيرهم من المسلمين في هذه الحرب، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن بن حسين قدوع

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

13/جمادى الأولى/1445هـ

27/نوفمبر/2023م   

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق