حكم القوانين الجائرة التي أباحت الاستيلاء على ممتلكات الناس ظلمًا وعدوانًا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5452)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما توجيهكم الشرعي تجاه مسألة: مَن أخَذ أملاكَ غيره بموجبِ القوانين الجائرة، التي شرعها النظام السابق، كالبيت لساكنه، والأرض ليست ملكا لأحد، ونحوها، ثم ردها بعد الثورة، ولكن بعض المحامين الآن يسلكون حِيَلًا قانونية، تمكّنهم من رفع دعاوى لاسترداد هذه الأراضي لغاصبيها، أو تمكين غيرهم منها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فكل ما حصل بموجب القوانين الجائرة، التي أباحت الاستيلاء على ممتلكات الناس ظلمًا وعدوانًا، حتى اعتدى كثير من الخلق على أملاك غيرهم، هو تـَـــعـَدٍّ وغصبٌ، لا يَثْبُتُ به حق، بل يبقى الحق لأصحابه، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ) [مسلم: 1610]، ويجب على من امتلك شيئًا بموجب هذه القوانين أن يردّه لأصحابه، ويتوبَ ويرجع إلى الله تعالى، ويتحللَ منهم اليوم، قبل ألّا يكون دينارٌ ولا درهم.
ولا يجوز للمحامين وغيرهم من المسؤولين ارتكابُ حيلةٍ قانونية، تؤدي لأكل المال بالباطل، أو ذهابِ الحقِّ إلى غير أهله؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾[المائدة: 2].
وليحذر المسلم أن يأخذ مالًا ليس من حقه، ولو كان مؤيَّدًا بقوة القانون؛ فقد نص الفقهاء على أن حكم الحاكم لا يُحِلّ حرامًا، وذكاءُ محامِيهِ وحذقُهُ وقدرتُه على تمويهِ الحقائقِ بالقانونِ، واسترداد المغصوب إليه لن ينجِيَهُ يومَ القيامة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِيَ له علَى نَحْوٍ ممَّا أسْمَعُ منه، فمَن قَطَعْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ، فإنَّما أقْطَعُ له به قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) [البخاري:6967، ومسلم: 1713]، وهذا في الاجتهاد المعتبر المبني على ظاهر الأحكام، فكيفَ وهذا الحكمُ معارضٌ لقطعياتِ الشريعة؟
ويجب على من ولّاه الله تعالى أمرَ المسلمين، أن يسعى في تسويةِ أوضاعِ الأملاك المسترَدَّة لأصحابها، وسدِّ أي ثغرةٍ قانونية مِن شأنها أن تؤدي للغصب والتعدي، وأكلِ المال بالباطل؛ حتى يتمكنَ الناس من استردادِ حقوقهم بالطرق القانونية؛ ولا يجوز لمن أُعطيت لهم ظلمًا أن يتمسكوا بها، ومن فعل ذلك فهو ظالم متعدٍّ، غاصبٌ لأموال الناس، وصلاتُه وعباداتُه في تلك الأملاك حرامٌ، لا تُقبل منه.
وتركُ من تولى أمر الناس من الأجهزة الولائية القضائية أو الإدارية تغيير هذا المنكر، هو مِن الغشِّ للمسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [مسلم: 142]، ويقال للمحامين الذين يسلكون هذا المسلك للتمكين من الغاصبين ما قال الله تعالى في أمثالهم في قوله سبحانه: ﴿وَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗا﴾ [النساء: 107]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26/جمادى الآخرة/1445هـ
08/يناير/2024م